المخصوص بالفِطنة والذكاء، ظَنِّي أني سمعْتُ أو رأيت لبعضهم أن الكناية هي التي يختص بفَهْم الطلاق منها المخصوص بالفطنة والذكاء، ظَنِّي أني سمعْتُ أو رأيت لبعضهم أن الكناية هي التي يختص بفَهْم الطلاق منها مَنْ خالطه، واختبر أحواله وإشاراته، والصريح ما يفهم الخلطاء والأجانب، ولو بالغ في الإِشَارَة، ثُمَّ ادَّعَى أنَّه لم يُرد الطَّلاق، وأفهم هذه الدعوْى، قال الإِمام هو كما لو فسَّر اللفظة الشائعة في الطَّلاق بغير الطلاق, لأنَّ التحاق مثْل تلْك اللفظة بالصرائح سببه الشيوع والتفاهم، دون الوَضْع، كما أن الاعتماد في الإِشارة على الفَهْم.
ولا فَرْق في اعتبار إشارته بين أن يقدر على الكتابة أو لا يَقْدِر؛ لحصول الفَهْم كذلك، ذكره الإِمام، ويوافقه إطلاق الأكْثَرين، وفي "التتمة" أن إشارة الأخرس إنما تعتبر، إذا لم يقدر على كتابة مُفْهِمه وإن قَدَرَ عليها، فالكتابة هي المعتبرة؛ لأنَّها أضبط وأدل على المُرَاد، وينبغي أن يكتب مع ذلك إنِّي قصدتُّ الطلاَق.
ويقع الطلاق بكتابة الأخْرَس، كما يقع بإشارته، وعن الشيخ أبي محمَّد: أن الكتابة في حقِّه صريحةٌ، والصحيح أنَّها كناية أنَّها [وإن كانت] أضْبَط، وأدل على المراد، تحتمل امتحان القلم، ومحاكاة الخَطِّ ولا يشترط مع الكناية الإِشارة.
وحكى الحناطي وجْهَيْن؛ وفي "المجرَّد" للقاضي أبي الطيِّب مثْله، قال: إن قلْنا: لا يَقَع طلاقُ الناطق بالكتابة، حتى يقرأ ويتلفَّظ، فيحتاج الأخرس إلى الإِشارة؛ ليقوم مقام العبارة وإن قلنا: يقع بالكتابة مع النِّيَّة، فلا يحتاج إلى الإِشارة بالطلاق، ويكفي أن يفهما أنه نَوَى الطلاق.
وأمَّا القادر على النُّطْق، فإشارته ليْسَتْ بصريحة، وإن وُجِدَ منه ما نجعلُه صريحاً من الأخرس, لأن عدوله من العبارة إلى الإشارة يُوهِم أنه غيْر قاصد للطلاق، وهذا كما أن الكتابة كناية [في حق] الناطق، وإن جعلت من الصرائح في حقِّ الأخرس.
وهل يكون إشارته كناية؟ فيه وجهان: عن رواية صاحب "الأفصاح":
أحدهما: نَعَمْ؛ لحصول الإِفْهَام بها، كالكتابة هذا عن صاحب "التلخيص" واختيار القَفَّال:
وأظهرهما: لا؛ لأن الإِشارة لا تُقْصَد للاِفهام بها إلاَّ نادراً بخلاف الكتابة؛ فإنها حروف موضوعة للإفهام، كالعبارة، وحكى الشيخ أبو عليٍّ أن أبا زَيْدٍ أجاب بالوجْه الأول فيما إذا قالت المرأة: طلِّقْنِي، فأشار بيده أن اذهبي، واستبعده، ورتب المرتبون الوجهيْن على الخلاف الَّذي يأتي في أن كنايَةَ القَادر على النُّطْق، هَلْ هي، كناية فالإِشارة أَوْلَى بألاَّ تكون كنايةً؛ لاختلافها بالأحوال والأشخاص واختلاف الناس في فهمها، وهذا ما أورده في الكتاب.