للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكِ، وفي "فتاويه": أنَّه سئل بعْضُ أصحابهم عن رجُل سكران، فقال لامرأته أي صرح (كيله بماه ماندرويت باتومن طلاق داده سويت) (١) فقال: إن كان لَهَا قبْل هذا الزَّوْج زوج آخَرُ لم تقع عليها طلقة إلاَّ أن ينوي، وإن لم يكُنْ قبله زوْج، يقع الطلاق، نوى أو لم ينوِ، ويُشْبِه أن يقال لو قال: أردتُّ مخاطبتها بمصراع الأول، وكنت في المصراع الثاني؛ حَاكياً القول الشاعر، يُقْبَل، ولا يقع الطلاق، إلا شبه ألا يقع الطلاق إلاَّ إذا نوى؛ لوجهين:

أحدهما: أن مقصود الشاعر طلاق زوج آخر، وإلاَّ فكيف تكون زوجةً له مفوضاً إليها أمر نيته ومطلقة منه، والغالِب أن التمثيل بالشعر يريد ما أراده الشَّاعر، وإذا قال الزوج: طلقَكِ زوْج آخَرُ لم يقع طلاقه، وإن لم يعرف لها زوج آخر.

والثاني: أن مقصود الشاعر طَلاَق عساه يوجد في المستقبل، كأنَّه تمنى أن يطلِّقها زوْجُها، وتصير زوجةً له، والخبر عن الطلاق في المستقبل ولا يوجب الوقوع (٢) في الحال.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الثَّانِي فِي الفِعْلِ): أَمَّا الإِشَارَةُ المُفْهِمَةُ مُعْتَبَرَةٌ مِنَ الأَخْرَسِ فِي الطَّلاَقِ، وَالصَّرِيحُ مِنْهَا يَشْتَرِك في فَهْمِهِا الكَافَّةُ، وَالكِنَايَةُ مِنْها مَا يَفْطِنُ لِدَرْكِهِ بَعْضُ النَّاسِ، وَأَمَّا القَادِرُ فَإِشَارَتُهُ لاَ يَكُونُ صَرِيحاً أَصْلاً، وَهَلْ يَكُونُ كِنَايَةً؟ فِيهِ خِلاَفٌ مُرَتَّبٌ عَلَى كَتْبِهِ الطَّلاَقَ مِنَ القَادِرِ عَلَى النُّطْقِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: تبيَّن الحُكْم في الأفعال الدالَّة على النطق، وكما أن الأقْوال تُفْهُم، وتدُلُّه على المعنى، فالإِشارة والكتابة من الأفْعَال يدُلاَّن أيضاً، والمقصود بيان حكمهما، أما الإِشارة فهي معتَبَرةٌ من الأخْرَس في وقوع الطلاق؛ لأنَّه كذلك يعبر ويدل على ما في ضميره، قال الإِمام: وتقوم إشارته مَقَام عبارة الناطق في جميع العقود والحلول والأقارير والدعاوى، نَعَمْ، في شهادته خلافٌ يأتي في موضعه.

وإذا أشار في الصلاة بالطلاق أو البيع أو غيرهما، صَحَّ العَقْد، ولم تبطل الصلاة على الصحيح، وفيه وجْه ثم منهم من أدار الحكم على إشارته المفهومة وحَكَم بوقوع الطلاق بها، نوى أو لم ينوِ، كذلك ذكَر صاحب "التهذيب"، وقسَّم آخرون منهم الإِمَام، وصاحب الكتاب إشارَتَه إلى صريحة تُغْنِي عن النية، وهي التي يَفْهَم منها الطلاقَ كُلُّ مَن وقَف عليهما، وإلى كناية تحتاج إلى النِّيَّة، وهي التي يفهم الطلاق منها


(١) هو بيت فارسي معناه: تشيحين عني بوجهك، مثل الحجلة تكبراً وغروراً، إذا رغبت في البعاد عنك مفارقاً.
(٢) في ب: الطلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>