أصحهما: المَنْع؛ لأن القرء ما يَدُلُّ على البراءة، ويُعْتد به عن العدة، وهذا المعنى لا يتحقَّق مع الحَمْل، ومنهم من قَطَع بهذا الوجه الثاني والثالث إذا كانت صغيرةً لم تحِضْ قطٌّ، فيبنى حكم الطلاق على أن القرء طُهْر يحتوشه دَمَان، أو هو الانتقال من الطُّهْر إلى الحيض، وقد يُقَال: هو مجَّرَّد الانتقال، وفيه خِلافٌ يذكر في موضعه، فإن قلنا بالأول، فلا تُطَلَّق حتى تحيض، ثم تطْهُرَ، ولا يؤمر الزَّوْج باجتنابها في الحال، وإن قلنا بالثاني، فالذي أطلقه العراقيون وصاحب "التهذيب" وغيرهم -رحمهم الله- أنَّه: يقع عليها في الحال طلقة وفي "التتمة": أنهُ يؤْمَر الزَّوْج باجتنابها؛ لأن الظاهر أنها ترى الدَّمَ، فإن رأته، بان وقوع الطلاق، وإن ماتَتْ ولم تره، ماتَتْ على النكاح، وهذا ما أورده أبو الفرج السرخسيّ في "الأمالي" فقال إذا رأتِ الدَّمَ تَبَيَّنَ وقوع الطلاق يوم التلفظ، وإذا حكَمْنا بأنَّه وقعَتْ طلقةً، فلو لم تحِضْ، ولم يراجعْها الزوج، حتى مضت ثلاثةُ أشهر حَصَلَت البينونة، فإن نكَحَها بعْد ذلك ورأتِ الدَّم، فيعود الخلافُ في عَوْد اليمين والحَنِث، فإن رأت الدم قَبْل مضيِّ ثلاثة أشهر، تكرَّر الطلاق بتكرر الأطهار، وعن صاحب "التقريب" وجْه غريب: أن الأقراء في الصغيرة محمولةٌ على الأشهر؛ لأنَّها بدل الأقراء في حقِّها شرعاً، والآيسة التي انقطع حيْضُها، كالصغيرة، ففي وقوع الطلاق عليها الخلافُ، قال أبو الفرج إن قلْنا: إن القرء عبارةٌ عن الانتقال يقَع في الحال؛ لأنها في طُهْر انتقلت إلَيْه من الحيض، وإن قلنا: عبارةٌ عن طُهْر يحتوشه دمَان، فلا يقع، فإن حاضَت من بعْدُ على ندور تبيَّن الوقوع، والأظهر عند الأئمة في الصغيرة والآيسة الوقُوعُ.
ولو قال لزوجته: أنتِ طالقٌ في كل قرء طلقةً للسنّة، فهُو كما لو لم يقل للسنّة في أكثر الأحكام والأحوال، نَعَم، ذات الأقراء إذا كانَتْ طاهراً، أو كان قد جامَعَها في ذلك الطُّهْر يتأخر وقُوع الطلاق إلى أن تحيض، ثم تطهر.
ولو قال: أنتِ طالقٌ في كل طُهْر طلقةً، وكانت حاملاً، لا ترى الدَّم أو كانت تراه ولا تجعله حيضاً تقَعُ في الحال طلقةٌ، سواءٌ كانت ترى الدَّم، في تلك الحالة أو كانَتْ لا تراه، ولا يتكرر بتكرر الانقطاعات، وإن كانت ترى الدم وجعلْناه حَيْضاً، فإن كانَتْ في حالة رُؤْية الدَّم، لم يقع حتى تطهر وإن كانت في حالة الطُّهْر وقع في الحال ويتكرَّر بتكرُّر الأطهار.
وقوله في الكتاب "وإن كانَتْ حاملاً وَهِيَ تَحِيضُ وَقُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ حَيْضٌ" يريد "وهي ترى الدم"، وقد أبدل بذلك في بعض النسخ، وقوله "إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً" يريد التي لم تحض بالغةً كانت أو لم تكُنْ، والتي لا تحيض في مبدأ الأمر تكون صغيرةً غالباً، فيعبر عنها بالصغيرة.