للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاز للأب أن يتزوَّج جاريةَ ابنه، كما يجُوز للابْنِ أن يتزوَّج أمة أبيه، وإن أوجبْنَاه، لم يُجْز لاستغنائه عن نكاح الأمة بمالِ ابْنه.

والثاني: القطْعُ بالمنع، وإلَيْه ذهب الأكْثَرون، وقالوا فيما نقله المزنيُّ: إِن الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: يجوز للرَّجُل أن يتزوَّج بجارية أبيه، فوقع في لفظة أبيه تصحيف؛ لأنها في الصورة تشبه ابنه، ومنْهم من أوَّله، وحمل ما نقله على ما إذا كان الابنُ معْسِراً لا يجد مؤنة الإِعفاف، وكانت له جاريةٌ يحتاج إلَى خِدْمتها، فيجوز له أن يتزوجها منه، أو كان الأب مع إعساره صحيحَ البَدَن، فإنَّا لا نوجبُ إعفافه ونفقته علَى قول، فيجوز له أنْ يتزوَّج بجارية ابنه.

والصحيح في هاتَيْن الصورتَيْن أن يُبْنَى جواز النِّكَاح علَى أنَّه إذا أولد جاريةَ ابْنه، هل تفسير مستولدةً له إن قلنا: نعم، لم يجزْ له نكاحُها، كما لا يجوزُ لهُ أن ينكح جاريةَ نَفْسه، وإن قلنا: لا، جاز له نكاحها، وكذا الحكْمُ على قولنا: إنَّه لا يجبُ الإِعفاف، هذا كلُّه فيما إذا كان الأب حراً، أما إذا كان رقيقاً، فله أن ينكْحَ جاريةَ ابنه؛ لأنه لا يجبُ عليه إعفافُه ولا نفقُته، وإذا استولد الرقيقُ جاريةَ ابنهِ، لم تصر أم ولد له على ما تقدَّم، ولو نكح الأبُ جارية أجنبيِّ، حيث يجوزُ له نكاحُ الأمة، ثم ملكها الابنُ والأبُ بحيث لا يجوزُ له نكاحُ الأمة ابتداء، هل يُفْسَخ النكاح؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، كما أنه لما لم يجُزْ للرجُل أن ينكح جاريةَ نَفْسِه، فلو نكح جاريةَ غَيْره، ثم ملكها، ينفسخ النكاح.

وَأَصَحُّهُمَا: وهو المذكور في الكتاب: أنه لا يَنُفَسِخ؛ لأن الأصْلَ في النكاحِ الثابتِ الدوامُ، وللدَّوام، من القوة ما لَيْس للابتداء عَلى ما سبق نظائِرهُ، وأُجْرِيَ الوجهان فيما لو نَكَح جاريةَ ابْنِه، ثم عَتَق، هل ينفسخ النكاح؟ فإن قلْنا: لا ينفسخ النكاح، أو جوَّزنا له أن ينكح جارية ابْنِه ابْتِدَاء، فَأوْلَدَها، قال الشيخ أبو حامد والعراقيون وتابعهم الشيخ أبو عليٍّ وصاحب "التهذيب" وغيرهم: لا تصير أمَّ ولد له، لأنه رضي بِرِقِّ ولده حين نكَحَها؛ ولأن النكاح حاصلٌ محقَّقٌ، فيكون واطئاً بالنكاح لا لشبهة المِلْك بخلاف ما إذا لم يكُنْ نكاحٌ، وعن الشيخ أبي محمد، وإليه ميلُ الإِمام: أنه يثبت الاستيلاد، وينفسِخُ النكاح وهذا قوله في "الْكِتَابِ" ما لَمْ يحْصُل للأب ولَدٌ في ملك الابْن.

ولا يجُوز للسيِّد أن ينكح جاريةَ مكاتَبِهِ؛ لأن للسيِّد في رقبة المكاتَب وما في يده شبْهَةَ المِلْك، وإذا أولد جاريةَ مكاتَبِهِ، فصارت أمَّ ولدٍ للسيد، فلو كان قدَ نكح جارية، فملكها مكاتَبُهُ، ففي انفساخ النِّكاح وَجْهَانِ، قَالَ في "التتمة": هما كالوجهَيْن في صورة ملك الابن، قضيَّةُ هذا الإطلاق ترجيحُ عدَمِ الانفساخ، وبه قَالَ القاضي أبو سَعْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>