للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَوَّلُ: أصح؛ لما وُرِدَ فيه من صيغة الأمر، ويجوز أنْ يعلم للثاني قوله في "الكتاب": "المنظور إليها قبل النِّكاح" بالواو؛ لأنه جعل نكاحها أحب، ويجوز له تكرار النَّظَرِ إليها ليتبين هيئتها، ولا يندم بعد النكاح، ولا فَرْقَ بين أن يكون النظر إليها بإذنها أو بغير إذنها خلافاً لمالك -رضي اللهُ عنه- حيث اعْتَبَرَ إذنها دليلاً، لإطلاق الخبر، وأيضاً فإنه لو راجعها لزينت نفسها فيفوت الْمَطْلُوبُ من النظر.

فإن لم يتيسر النظرُ إليها بعث إليها امْرَأَة تتأملها وتصفها له (١). روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث أم سليم إلي امرأة وقال: "انْظرِي إلي عُرْقُوبِهَا وشمُي مَعَاطِفَهَا" (٢). والمرأَة أيضاً تنظر إلى الرجل إذا أرادت التزوج، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها، قاله عمر (٣) -رضي الله عنه- ثم الكلام في المنظور إليه، وفي وقت النظر أما المنظور إليه منها، فهو الوجه والْكَفَّافِ ظَهْرَاً وبَطْناً.

واعلم أنا سنذكر وجهين في جواز النَّظَرِ إلى وجه الأجنبية وَكَفَّيْهَا من غير عُذْرٍ وسبب. فقال الإِمَامُ -رَحِمَهُ الله-: مَنْ حَرَّمَ هناك أباح هنا، لغرض التزويج، ومن أباح هناك فإنه يقول: إن كان يخاف الفتنة، فهو حَرَامٌ وهنا لا يحرم معِ خوف الفتنة لهذا الغرض، ولا يَنْظُرُ إلى ما سوى الوجه والكفين لأنه عَوْرَةٌ، وهي تُعَدّ أجْنَبِيَّةُ.

وَذَكَرَ الحنَّاطِيُّ وجهين في "المِفْصَل" الذي هو بين الكف والمِعْصَمِ.

وفي "شرح مختصر الجويني" وَجهٌ: أنه يَنْظُرُ إليها نظر الرجل إلى الرجل.

وعن مالك -رضي الله عنه- أنه يَنْظُرُ إلى الوجه والكفين والقدمين وبعض الذِّرَاعِ.

وعن أَبِي حَنِيْفَةَ -رضي الله عنه-: ينظر إلى الوجه والكفين والقدمين بناءً على أن القدمين ليسا من العورة، ويجوز أن يعلم كذلك قوله في الكتاب: "إلاَّ إلى وجهها" بالحاء والميم والواو، ولم يذكر الكفين لَفْظاً ولا بُدَّ منه. وأما وقت النظر فإنه ينبغي أن يكون بعد العزم على نكاحها إن ارتضاها وقبل الخطبة؛ لأنه لو كان بعد الخطبة وتركها


(١) ظاهره أنه يجوز لها أن تصف له جميع حلاها.
قال الخادم: والاقرب أن تصف له من بدنها ما يجوز النظر إليه، ثم قال: حديث أم سليم يقتضي جواز حكايته ما سوى الوجه والكفين.
(٢) أخرجه أحمد والطبراني والحاكم [٢/ ١٦٦]، والبيهقي من حديث أنس، واستنكره أحمد، والمشهور فيه طريق عمارة عن ثابت عنه، ورواه أبو داود في المراسيل عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت، ووصله الحاكم من هذا الوجه بذكر أنس فيه، وتعقبه البيهقي بأن ذكر أنس فيه وهم، قال: ورواه أبو النعمان عن حماد مرسلاً، قال: ورواه ابن كثير الصنعاني عن حماد موصولا.
تنبيه: قوله: وشمي معاطفها في رواية الطبراني، وفي رواية أحمد وغيره: شمي عوارضها.
(٣) قال الحافظ لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>