للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأبيد. ومنها: الوصيةُ بما لا قدْرَةَ عَلَى تسليمه، كالمغصوب، والآبِقِ، والطَّيْرِ المنفلِتِ، صحيحةٌ، وكذا الوصية بالمجهول، مثل أن يقول: أعطوه ثوباً، أو عبداً؛ لأن الله تعالَى أعطانا ثُلُث أمْوَالِنَا في آخر أعمارنا، وقد يشبه علينا قدْرُ الثلث، إمَّا لكثرة المال، أو غيبته، فدعت الحاجة إلى تجويز الوصيَّة بالمجهول.

ومنها: لو أوصَى بأحد العبْدَيْنِ، صحَّت الوصية؛ لأنَّها محتملةٌ للجهالة، فلا يقدح الإبهام، ولو أوصَى لأحد الشخصين، فأحد الوجهين أن الجواب كذلك.

وأظهرهما: المنعُ كما في سائر التمليكات، وقد يُحْتَمَلُ في الموصَى به ما لا يُحْتَمَلُ في الموصَى له، ولذلك كان الأظهرُ في الوصية بحَمْل كُوِّنَ (١) الجواز، وفي الوصية يحمل سيكون المنع؛ لأنَّ الإبهام في الموصَى له، إنَّما يُمْنَعُ إذا قال: أوصيتُ لأحدِ الرجلين، أما إذا قال: أعْطُوا هذا العبدَ أحدَ الرجلين، ففي "المهذب" و"التهذيب" وغيرهما: أنه جائز؛ تشبيهاً بما إذا قال لوكيله: بعْهُ من أحد الرجلين، وإذا أبْهَمَ الموصَى به، عيَّنه الوارث وإن أبْهَمَ الموصَى له، وجوَّزناه، فحكمه مذكورٌ في الكتاب من بعد. ومنها: الوصيةُ بما يحلُّ الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المُعلَّم والزيت النجِس، والزِّبْل، وجِلْدِ الميتة، والخَمْر المحترمة صحيحة لثبوت الاختصاص فيها، وانتقالها من يَدٍ إلَى يدٍ بالإرث، وغيره، قال في "التتمة": ومن هذا القبيل شَحْمُ الميتة، لدهن السفن، ولحمُها إذا جوزنا الانتفاع به؛ وفي الجرو الذي يقع الانتفاع به وجهان؛ بناءً على أنه، هل يجُوز إمْسَاكُه، وترتيبُه، لما يتوقع في المُسْتَقْبَلِ.

والأظهر الجواز وأمَّا ما لا يحل اقتناؤه، والانتفاعُ به؛ كالخَمْرُ، والخِنْزير والكلب العَقُور فلا يجوز الوصيَّة (٢) به، ونقل الحناطيًّ وجهاً أنه يجوز الوصيَّة بالكَلْب الذي لا


(١) في ز: سيكون.
(٢) قال في الخادم: فيه أمران:
أحدهما: ما ذكره من التفصيل في الخمر هي طريقة المراوزة بناء على رأيهم في جواز إمساكها، لكن العراقيين أطلقوا القول بأن الوصية بالخمر باطلة، وأوجبوا إراقتها مطلقاً وهو ظاهر النص، ومخرج من كلام الدارمي وجه بالصحة مطلقاً، وهو بعيد.
الثاني: ما حكاه عن التتمة يقتضي أن في المسألتين خلافاً فأما الأولى وهي الانتفاع بلحم الميتة في إطعام الجوارح فقال ابن الرفعة: كلام الغزالي في البيع والماوردي وابن الصباغ هنا، وغيرهم تنازع فيه.
قلت: الذي اقتضاه كلام التتمة صحيح، وفي الكافي أنه لا يصح بالميتة ويشهد له قول النبي -صلى الله عليه وسلم-
"لا تنتفعوا من الميتة بشيء". وقال في الوافي: هنا في جواز اقتنائها لإطعام الجوارح وجهان، والظاهر أن هذا الخلاف مراد المتولي، ويشبه تنزيل الخلاف على تفصيل ابن القطان في فروعه فقال: إذا أوصى له بميتة، وما أشبه ذلك فإن كان له فيه غرض مثل أن يطعمه جوارحه، أو شجر فيه شوك صحت الوصية، وإن كان لا منفعة له فيه فالوصية باطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>