للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطَّرِيق الثاني، وبه قال ابْنُ خَيْرَان وأَبو إِسْحَاق: القطع بالقول الثالث، ونصه في "المختصر"، واختلاف العراقيين بهذا أشد إِشْعاراً، وزاد القاضي المَاورْدِيّ طريقة ثالثة حكاها عن ابن أبي هريرة، وهي أنه يبرأ في الحيوان من غير المعلوم دون المعلوم، ولا يَبْرَأُ في غير الحيوان من المعلوم، وفي غير المعلوم قولان، ويخرج من منقول الإمام طريقة رابعة، وهي إثبات ثلاثة أقوال في الحيوان وغيره، وثالثها الفرق بين المعلوم وغير المعلوم.

ولو قال: بِعْتُك بشرط أَلاَّ ترد بالعيب جرى فيه هذا الاخْتِلاف، وزعم صاحب "التتمة": أنه فاسد قطعاً مفسد للبيع.

ولو عين بعض العيوب، وشرط البراءة عنه، نظر إن كان مِمَّا لا يُعاين مثل أن يقول: بشرط براءتي من الزنا والسرقةُ والإباق، برئ منها بلا خلاف؛ لأن ذكرها إعلام واطِّلاع عليها، وإن كان مما يعاين كالبَرَص، فإن أراه قدره وموضعه فكمثل، وإن لم يره فهو كشرط البراءة مطلقاً لتفاوت الأغراض باختلاف قدره وموضعه هكذا فصّلوه، وكأنهم تكلَّموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب.

فأما ما لا يعرفه ويريد البراءة عنه لو كان فقد حكى الإمام تفريعاً على فساد الشرط فيه، مخرجاً على ما ذكرنا من المعنيين في التَّعليل.

التفريع: إن بطل هذا الشرط، ففي العقد وجهان:

أحدهما: يبطل كسائر الشُّرُوط الفَاسِدة.

وأظهرهما: أنه يصحُّ لاشتهار القِصَّة المذكورة بين الصَّحابة -رضي الله عنهم- وعدم إنكارهم -رضي الله عنهم- وأيضاً فإنه شرط يؤكد العقد، ويوافق ظاهر الحال، وهو السلامة عن العيوب، وإن صح فذلك في العُيُوب الموجودة عند العقد.

أما الحادثة بعده وقبل القبض، فيجوز الرَّدُّ بها.

ولو شرط البراءة عن العُيُوب الكائنة، والَّتي تحدث ففيه وجهان:

أصحهما، ولم يذكر الأكثرون غيره: أنه فاسد، فإن أفرد ما سيحدث بالشَّرط فهو بالفساد أوْلى، وإن فرعنا على القول الثاني، فكما لا يَبْرَأُ عما علمه وكتمه كذلك لا يَبْرَأُ عن العيوب الظَّاهرة من الحيوان لسهولة البحث عنها والوقوف عليها، وإنما يَبْرَأُ من عيوب باطن الحيوان الَّتِي لا يعلمها.

ومنهم من اعتبر نفس العلم ولم يفرق بين الظاهر والباطن، وهل يلحق ما مأكوله في جوفه بالحيوان؟ قيل: نعم لعسر الوقوف.

وقال الأكثرون: لا لتبدُّل أحوال الحيوان، هذا فقه الفصل.

وأما لفظ الكتاب، فاعلم: أنه لما عد أنواع خيار النقيصة، أراد أن يبين ما يسقطه فقال: هذه أسباب الخيار، أما دوافعه ومسقطاته وإنما جمع بين هاتين اللفظتين؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>