للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشهرهما، وبه قال ابن سريج وابن الوكيل والاِصْطَخْري: أنه على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يَبْرأ ولا يرد عليه بحال، وبه قال أبو حنيفة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُون عِنْدَ شُرُوطِهِمْ" (١).

وأيضا فإن خيار العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح بالبراء فقد ارتفع الإِطْلاَق.

وثانيها: أنه لا يبرأ عن عيب ما؛ لأنه خيار ثابت بِالشَّرْع فلا ينفى بالشَّرْط كسائر مقتضيات العَقْد، وأيضاً فإن البراءة من جملة المرافق، فلتكن معلومة كالرَّهْن والكَفِيل، والعيوب المطلقة مجهولة، وبهذا القول قال أحمد في رواية، وعنه في رواية أخرى: أنه لا يبرأ عما لا يعلمه دون ما يعلمه.

وثالثها، وهو الأصح ويروى عن مالك: أنه لا يبرأ في غير الحَيَوَان بحال، ويبرأ في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه، لما روي: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- بَاعَ عَبْداً مِنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتِ -رضي الله عنه- بِثَمَانِمَائَةِ دِرْهَمٍ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، فَأصَابَ زَيْدٌ بِهِ عَيْباً، فأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَلَمْ يَقْبَلهُ، فَتَرَافَعَا إِلَى عُثْمَانَ -رضي الله عنه- فقَالَ عُثْمَانُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَتَحْلِفُ أَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ فَقَالَ: لاَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَبَاعَهُ ابْنُ عمَرَ -رضي الله عنهما- بِأَلْفِ دِرْهِمٍ" (٢).

فرّق عثمان وزيد -رضي الله عنهما- بين أن يكون العيب معلوماً أو لا يكون، والفرق بينهما من جهة المعنى أن كتمان المعلوم يلتبس، [فلا يبرأ منه] والفرق بين الحيوان وغيره ما ذكره الشافعي -رضي الله عنه- قال: الحيوان يغتذي بالصِّحة والسِّقم ونُحُول طَبَائعه وقل ما يبرأ من عيب يَخْفى أو يظهر. معناه: أنه يغتذي ويأكل في حالتي صحته وسقمه ونحول طبيعته، وقل ما ينفك عن عيب خفي أو ظاهر، فيحتاج البائع إلى هذا الشرط فيه ليثق بلزوم البيع.


= الحسن وزفر. لا يدخل في البراءة إلا العيب الموجود وقت العقد. وفرعوا على ذلك أن للمشتري الحق في أن يرد المبيع بعيب حدث قبل القبض وبعد العقد. لأن المتبادر من شرط البراءة هو انصرافه إلى الموجود حين الشرط فقط فيقتصر عليه، ويبقى ما عداه على الأصل وقال أبو حنيفة وأبو يوسف. يدخل في البراءة الموجود وقت العقد والحادث قبل القبض. وفرعوا على ذلك أنه ليس للمشتري الحق في أن يرد بعيب حدث قبل القبض. لأن الغرض من شرط البراءة هو إلزام البيع بإسقاط حق المشتري في وصف السلامة وهو يتناول الموجود حين العقد والحادث قبل القبض. ينظر الخيار للشيخ مندور.
(١) أخرجه أبو داود (٣٥٩٥) بلفظ المسلون.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ (٢/ ٤٨) وانظر التلخيص (٣/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>