للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجتمع اللَّبن في ضَرْعها، فيتخَيَّل المُشْتَري غزارة لبنها ويزيد في الثَّمن.

واشتقاقها من قولهم: صَرّ الماء في الحوض ونحوه: أي جمعه.

وتسمى المُصَرّاة مُحَفَّلة أيضاً، وهو من الحفل، وهو الجمع أيضاً، ومنه قيل للجمع: محفل. وهذا الفعل حرام لما فيه من التَّدْلِيس (١)، ويثبت به الخيار للمشتري، وبه قال مالك وأحمد خلافاً لأبي حنيفة.

لنا ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تُصِرُّوا في الإبِلِ وَالْغَنَمِ لِلْبَيْعِ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ للنَّظَرَيْنِ مِنْ بَعْدِ أن يَحْلِبَهَا، إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ".

وروي: (بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا ثَلاثاً).

وقوله: بعد ذلك: أي بعد هذا النهي.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعاً مِنْ تَمْرٍ لاَ سَمْرَاءَ" (٢).

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ بَاعَ مُحَفّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ لَبَنِهَا قَمْحاً" (٣) إذا تقرر ذلك، ففي الفصل مسائل:

إحداها: كيف يثبت خيار التَّصرية؟ فيه وجهان:


= فيما ليس بعيب، ولكنه يفقد المبيع كمالاً، هل يكون التدليس به مثبتاً للمشتري حق الرد كالعيب أم لا؟. ومدار الخلاف على حديث التصرية، وقد علمت موقف الحنفية منه، وهذا موقفهم أيضاً في كل ما يشبه التصرية. وأما الجمهور فبعد أن قالوا بجواز الرد بذلك اختلفوا في تفسير التدليس. فهو عند الشافعية كل ما كان أمارة قوية على أن المبيع كما ظن المشتري. فيثبتون الرد بتسويد الشعر، ولا يثبتونه بتلطيخ ثوب العبد بالمداد إغراء بأنه كاتب؛ لأن هذا أمارة ضعيفة لاحتمال أن يكون ممن يحترف صناعة المداد. بينما المالكية يجعلون له حق الرد بكل فعل يفعله البائع، بالمبيع قاصداً به كماله، ولو كان أمارة ضعيفة. ولذلك كان للمشتري عندهم حق رد العبد الملطخ ثوبه بالمداد. والذي يظهر هو رجحان مذهب الشافعية؛ لأن الأصل في البيع هو اللزوم والمصراة أستثنيت من هذا الأصل للحديث والتصرية أمارة قوية، على أن البهيمة كثيرة اللبن، فلا يلحق بها إلا كل ما كان في معناها تقليلاً؛ لمخالفة الأصل والقياس. ينظر الخيار في الفقه الإسلامي لشيخنا الشيخ مندور.
(١) قال في المهمات: هذا يوهم اختصاص التحريم بقصد البيع وليس كذلك فقد جزم صاحب التتمة بالتحريم سواء أراد البيع أم لا من إيذاء الحيوان. ينظر روضة الطالبين (٣/ ١٢٥).
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه أبو داود (٣٤٤٦) وابن ماجة (٢٢٤٠) وإسناده ضعيف، انظر الخلاصة (٢/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>