للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما لم ينقل فيه عن السلف شيء فيرجع فيه إلى قَوْلِ عَدْلَيْنِ (١)، قال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٢) وليكونا فقيهين كَيِّسَيْنِ، وهل يجوز أن يكونَ قَاتِلُ الصيد أحَدَ الَحَكَمَيْنِ؟ أو يكونا قَاتِلا الصَّيْدِ الحَكَمَيْنِ؟ إن كان القتل عمداً عدواناً فَلاَ؛ لأنه يورث الفِسْق، والحكم لا بد وأن يكون عدلاً وإن كان خطأ أو كان مضطراً إليه فوجهان:

أحدهما: وبه قال مالك: أنه لا يجوز، كما لا يجوز أن يكون المُتْلِف أحد المُقَوِّمَيْنِ.

وأصحهما: أنه يجوز: لما روي "أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ ضُبّاً فَسَأَلَ عَنْهُ عُمَرَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: احْكُمْ فِيهِ، فَقَالَ؛ أَنْتَ خَيْرٌ منِّي وَأَعْلَمُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: أَنَا أَمُرْتُكَ أَنْ تَحْكُمَ فِيهِ، وَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تُزَكِّيَنِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَى فِيهِ جَدْياً، قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- فَذَلِكَ (٣) فِيهِ".

وأيضاً فإنه حق الله تعالى، فيجوز أن يكون المؤمن عليه أميناً فيه، كما أن رب المال أمين في الزكاة.

ولو حكم عدلان بأن له مثلاً وآخران بأنه لا مثل له، فالأخذ بقول الأولين أَوْلى، قاله في "العدة" (٤). وأما الطيور فتنقسم إلى حمام وغيره، أما الحمام ففيه شَاة، روي ذلك عن (٥) عمر، وعثمان (٦)، وعلي (٧)، وابن عمر (٨)، وابن عباس (٩) وعاصم بن عمر (١٠)،


(١) قال في الخادم: ليس فيه تصريح باستحباب ولا اشتراط، ونقل في "شرح المهذب" عن الشافعي والأصحاب استحبابه، ثم نقل في الخادم عن الماوردي عن النص الوجوب، ونقله أيضاً عن البويطي قال: فتحصل في المسألة قولان: أقيسهما الوجوب.
(٢) سور المائدة، الآية ٩٥.
(٣) أخرجه البيهقي (٥/ ١٨٢) وإسناده صحيح.
(٤) قال النووى: (ولو حكم عدلان بمثل، وعدلان بمثل آخر، فوجهان في "الحاوي" و"البحر": أصحهما: يتخير.
والثانى: يلزمه الأخذ بأعظمهما، وهما مبنيان على اختلاف المفتيين. (ينظر روضة الطالبين ٢/ ٤٣٢).
(٥) أخرجه الشافعي، انظر التلخيص (٢٨٥٨).
(٦) أخرجه الشافعي، انظر المصدر السابق.
(٧) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (١/ ٢٨٦): لم أقف عليه.
(٨) أخرجه ابن أبي شيبة، انظر المصدر السابق.
(٩) أخرجه الثوري، وابن أبي شيبة، والشافعي، والبيهقي من طرق، انظر المصدر السابق.
(١٠) أخرجه الشافعي، انظر المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>