للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل واحد، إلا أن كل راو من الرواة قد ذكر طرفًا من حديث ذلك الرجل، وقد كان في أمره ما يقتضي هذا التفصيل، وإنه لينتهي به الأمر إلى الشدة الشديدة التي تناهت به إلى أن تخلف في النار بعد خروج أهلها المذنبين بأسرهم منها، وناهيك بذلك شدة، ثم إنه بعد ذلك تناهى به الفضل من الله عز وجل إلى أن أعطاه عشرة أمثال الدنيا، فيكون ما تفضل الله عز وجل به عليه أو وقفه على صغار ذنوبه ثم بدل له مكان كل سيئة حسنة، لأن كرم الله عز وجل جلاله لا يقاس بكرم الخلق إذ غاية ما في كرم الخلق إذا أحسن إليهم أن يجازوا بالإحسان، فإذا أساء إليهم مسيء فقصاراه أن لا تحيط حسناته عندهم بإساءته. فأما إن تناهى كرم الكريم إلى أن تنقلب السيئة بعينها حسنة، فإن هذا مما لا يقاس بالمعهود في عادة الخلق بل هذا مما يفرد الله عز وجل به.

* وأما ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه يجوز أن يكون تعجبًا من سرعة تقلب الآدمي من اليأس الشديد إلى الطمع العتيد، فإن هذا مما كان خائفًا (١٧٥/ أ) كبار ذنوبه أن تظهر له، فلما عرف ما من الله به عليه زاد طمعه في وقته وحاله إلى أن قال (رب! قد علمت أشياء لا أراها) وإنما قصد بذلك الحسنات التي تبدل منها، فيكون ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شدة قنوطه أولًا ثم تعقيب ذلك باتساع الطمع ثانيًا. ويجوز أن يكون ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرورًا بما من الله به على هذا العبد الذي كان آخر أهل النار خروجًا منها استلالًا على ما يضاعف الله به الحسنات لمن هو فوق المذكورين من المؤمنين.

- ٣٧١ -

الحديث الرابع:

[عن أبي ذر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يقول الله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها، أو أغفر، ومن تقرب مني شبرًا، تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب مني ذراعًا، تقربت منه باعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>