للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذلهم له ما بيدهم من المال. فالتجارة معاملة بين غنيّين: ألا ترى أن كليهما باذل لما لا يحتاج إليه وآخذٌ ما يحتاج إليه، فالمتسلّف مظنّة الفقر، والمشتري مظنّة الغِنى، فلذلك حرم الربا لأنّه استغلال لحاجة الفقير وأحلّ البيع لأنّه إعانة لطالب الحاجات. فتبيّن أنّ الإقراض من نوع المواساةِ والمعروف، وأنّها مؤكّدة التعيُّن على المواسي وجوباً أو ندباً، وأيّاً ما كان فلا يحل للمقرض أن يأخذ أجراً على عمل المعروف. فأما الذي يستقرض مالاً ليتجَّر به أو ليوسع تجارته فليس مظنّة الحاجة، فلم يكن من أهل استحقاق مواساة المسلمين، فلذلك لا يجب على الغني إقراضه بحال فإذا قرضه فقد تطوّع بمعروف. وكفى بهذا تفرقة بين الحالين» (١).

(٣) من المعلوم أن من شروط القياس ألا يكون حكم الفرع منصوصاً على حكمه (٢)، إذا لا قياس مع النص. وهذا الشرط غالبا ما يذكر ضمن شروط الفرع الذي هو أحد أركان القياس، وفي الآية الكريمة قياس البيع على الربا، فجعلوا الفرع الذي هو «البيع» هنا مثل الربا، الذي جعلوه أصلا في قياسهم (٣)، والفرع الذي هو البيع منصوص على حكمه.


(١) التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور (٣/ ٨٥)، ثم ذكر أن الفخر الرازي ذكر لحكمة تحريم الربا أسباباً أربعة، قلت: انظرها في التفسير الكبير (٧/ ٧٤).
(٢) انظر: تقريب الوصول لابن جزي (٣٥٥)، وعلق محققه - شيخنا الدكتور محمد المختار بن محمد الأمين - على هذا الشرط بقوله: «سواء أكان النص عليه بموافق، أو مخالف؛ لأن التعدية إن كانت على وفاق النص الذي في الفرع فلا فائدة فيه؛ لأن النص يغني عنه، وإن كانت على خلافه فهو باطل؛ لمخالفته حكم النص، والصحيح أنه إن كان موافقاً فلا مانع منه؛ لأنهم درجوا على القول بأن هذه المسألة دلَّ عليها النص، والإجماع، والقياس، وأنه لا مانع من توارد الأدلة على مدلول واحد، كما هو الواقع في الأدلة من الكتاب والسنة» وانظر: الشرط في: البحر المحيط (٥/ ١٠٨)، شرح الكوكب (٤/ ١١٠).
(٣) صنيعهم هذا يسمى عند الأصوليين بقياس العكس، ويقصد به هنا إبطال مذهب الخصم، وهو إنما يلجأ إليه عند المناظرة، لا في وقت استنباط المجتهد في خاصة نفسه.
انظر: التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور (٢/ ٥٥١).

<<  <   >  >>