للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنجاة تكون بمعرفة الحق واتباعه؛ ظاهرًا وباطنًا.

أما من ترك الحق إيثارًا لدنيا، أو لأغراض مختلفة؛ فإنه لا يعذر، ومما يوضح هذا الأمر النظر في آيتين:

الآية الأولى: قوله تعالى في المستهزئين: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٦]، فهذه الآية نزلت في الذين أطلقوا كلامًا على وجه المزح استهزاءً بالرسول وأصحابه حيث قالوا: «ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، وأكذب ألسنة، وأجبن عند اللقاء»، وفي الرواية أنهم يعنون رسول الله ؛ فأنزل الله هذه الآية، وذهب عوف بن مالك يبلغ الرسول ، فوجد الوحي قد سبقه، وجاء ذلك الرجل الذي أطلق الكلمة يعتذر إلى الرسول ، وقد ركب الرسول راحلته، فتعلق بنسعة الراحلة، فجعل يردد: «إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب، نقطع به عناء الطريق»؛ فأنزل الله: ﴿أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون (٦٥)﴾ ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة] (١).

فإذا كان هؤلاء قد كفروا بعد إيمانهم؛ لأنهم تكلموا بكلام على وجه المزح فكيف بمن أظهر الكفر من أجل غرض من أغراض الدنيا، وخوفًا على فوت مصلحة من المصالح، أو مشحة بالوطن أو بالأهل والعشيرة؟! كمن يعز عليه فراق أهله وعشيرته، ويعز عليه مخالفتهم أيضًا كأبي طالب الذي ما منعه من قول «لا إله إلا الله» إلا المشحة بالآباء والخوف من مخالفتهم.


(١) تقدم في ص ٨٩.

<<  <   >  >>