والآية الثانية قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم (١٠٦)﴾ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾ [النحل]، فهذه الآية تدل على أن كل من أظهر الكفر لأي غرض من الأغراض، فإنه كافر؛ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فلم يستثن إلا المكره، فمن أظهر الكفر خوفًا من فوات حظ من الحظوظ مشحةً بالوطن والأهل والعشيرة، فهو كافر؛ لأنه غير مكره، والله تعالى لم يستثن إلا المكره، كمن قيل له سب الرسول ﷺ، أو سب هذا القرآن والمصحف، وإلا فهذا السيف على رأسك، وهو يتكلم بهذا، وقلبه يحترق، ويجد ألمًا في باطنه، بل وفي ظاهره؛ فهذا هو المكره، ولا يكفر.
والآية تدل على هذا من وجهين:
أولًا: أن قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ﴾؛ تدل على أن المراد الإكراه على فعل الكفر، أو التكلم بالكفر. أما اعتقاد القلب فلا تعلق للإكراه به؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يكره أحدًا على اعتقاد قلبه؛ لأنه أمر باطن، يقول تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ﴾؛ أي فقد كفر، ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ فمن أظهر الكفر من غير إكراه، فقد شرح بالكفر صدرًا.
ثانيًا: قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾ [النحل: ١٠٧]، فهذا تصريح على أن الذي حملهم على الكفر هو إيثار الدنيا؛ فعلم بذلك أن الكفر لا يتوقف على اعتقاد القلب، ولا