وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأسٍ شديدٍ، فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجالَ، وسبوا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية، فاهلكوا ما قدروا عليه وتَبَّروا ما عَلَوْ تتبيراً!.
وما الذي سلَّط عليهم أنواعَ العذاب والعقوبات، مرةً بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرةً بجوْرِ الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب! (١).
قال الإمام أحمد، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، قال: لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء .. ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟!، فقال: " ويحك يا جبير!، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله
(١) وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمته تتبع آثارهم وتقترف ما اقترفوه، وقد حصل الأمر كما أخبر وزيادة، فهل لهم الْمُرّة ولنا الحلوة؟!، .. وسُنن الله لا تتبدل، قال تعالى بعد ذكره عقوبات الأمم المتقدمة بذنوبها: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُر ِ} [سورة القمر، آية: ٤٣]، وسُنن الله عادته، وهي لا تتبدل ولا تتحول ولا تتغير؛ فالحذر الحذر من التشبه بالكفار وتتبع آثارهم واقتراف ما اقترفوه.