للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما كان من نبي الله موسى والخضر - عليهما السلام -، فلما استدرك موسى على الخضر ما ظنه خطأ منه؛ كان يتكلم بما يراه حقًّا في تواضع تام، كيف لا وهو الذي أنزل نفسه منزلة التابع للخضر، وكذلك الشأن من الخضر عندما استدرك عليه عجلته وذكر له بعد ذلك ما ظنه خطأ كان يستدرك بتواضع تام.

وحكي عن أبي يوسف أنه قال: "يا قوم، أريدوا بعلمكم الله - عز وجل -؛ فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى افتضح" (١).

ومن أمثلة تواضع المستدرَك عليه ما كان من شأنه - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه الحبَابُ بن المنْذِر (٢) الأنصاري قال: "أشرت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر بخصلتين فقبلهما مني:

خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة بدر فعسكر خلف الماء، فقلت: يا رسول الله، أبوحي فعلت أو برأي؟ قال: برأي يا حباب. قلت: فإن الرأي أن تجعل الماء خلفك؛ فإن لجأت لجأت إليه. فقبل ذلك مني" (٣).

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفيه في خلقه يتواضع لسماع استدراك حباب المتمثل بمشورته عليه ثم يقبلها لما رأى أنه الحق والأصلح للمسلمين.

ومن جميل ما يذكر في ذلك ما كان من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما خطب


(١) يُنظر: الفقيه والمتفقه (٢/ ٤٩).
(٢) هو: أبو عمرو، الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، شهد بدرًا وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، كان يقال له: (ذو الرأي)؛ لإشارته على رسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل على ماء بدر للقاء القوم. شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة المنورة.
تُنظر ترجمته في: الاستيعاب (١/ ٣٦١)، أسد الغابة (١/ ٥٣٣)؛ الإصابة (٢/ ١٠).
(٣) يُنظر: المستدرك على الصحيحين (٣/ ٤٨٢).

<<  <   >  >>