للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند أبي الحسن في حالة القعود، فكيف يستتب له تلقي حكم تعلق الأمر من تعلق القدرة، ومن لا قدرة له أصلاً مأمور عنده؟ ثم لو تنزلنا على حكمه في المصير إلى أن الحادث مقدور؛ فيستحيل مع ذلك كونه مأمورًا به؛ فإن اقتران القدرة بالحادث معناه أنه بها وقع، وهي في اقتضائها له نازلة منزلة العلة المقترنة بالمعلول الموجبة على رأي من يثبت العلة والمعلول، فهذا وجه هذه المسألة إن اتجه.

وإن تفطن ذكيٌّ لوجه الحق خطر له في معارضة ذلك أن القدرة لا توجب المقدور لعينها؛ إذ لو أوجبته لاستحال خلو القدرة عن المقدور، وذلك يبطلُ إثبات القدرة الأزلية؛ فإنها غير مقارنة للحوادث، فلو فرض اقتران العالم بها لكان أزليًا، والأزلي يستحيل أن يكون مقدورًا، وفي خروجه عن كونه مقدورًا سقوط القدرة: فإن القدرة من غير مقدور محال.

ومن أنصف نفسه علم أن معنى القدرة: التمكن من الفعل، وهذا إنما يعقل قبل الفعل، وهو غير مستحيل في واقع حادث في حالة الحدوث.

فلو سلم مُسلِّم لأبي الحسن - رحمه الله - ما قاله في القدرة جدلاً من تنزيل القدرة مع المقدور منزلة العلة مع المعلول - وهيهات أن يكون الأمر كذلك، ولو كان- فلا يتحقق معه كون الحادث مأمورًا به؛ فإن الأمر طلب واقتضاء، وكيف يُتصور أن يُطلب كائن ويقتضى حاصل؟ فقد لاح سقوط مذهبه في كل تقدير.

نعم قد يقال في الحادث: هذا هو الذي أُمِرَ المخاطَب به، فأما أن ينجزم القول في تعلق الأمر به طلبًا واقتضاء مع حصوله؛ فلا يرتضي هذا المذهب لنفسه عاقل" (١).

• بيان الاستدراك:

المراد من هذه المسألة: أن التكليف هل يتوجه إلى المخاطب عند المباشرة للفعل أو قبلها؟ وإذا توجه قبلها فهل يستمر إلى وقتها؟ فالنزاع في وقت تعلق القدرة بالمقدور.


(١) البرهان (١/ ٢٧٦ - ٢٧٩).

<<  <   >  >>