للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقدر أن الخصم يلزمه بدليل هو مسلم به؛ وهو جواز تخصيص العموم بالقياس العقلي.

فأجاب عن هذا بقوله: "قيل له: هذا صحيح على ما أصلنا؛ لأن القياس العقلي لما كان مفضيا بنا إلى العلم بصحة ما أدانا إليه، ولم يكن يجوز فيه التخصيص، وكان الحكم بموجب العموم من طريق يوجب العلم إذا أطلق؛ كان القياس العقلي قاضيًا على العموم؛ لأنه يفضي إلى العلم بموجباته في سائر الأحوال، والعموم لا يوجب العلم بموجباته في سائر الأحوال؛ إذ جائز إطلاق لفظ العموم والمراد الخصوص (١).

وأما القياس الشرعي فإنما هو اجتهاد وغالب ظن لا يفضي إلى العلم بحقيقة الحكم (٢)، وقد يوجب عندنا أيضًا فيه التخصيص، وكان الحكم بالعموم الموجب للعلم أولى من تركه بقياس لا يوجب العلم، وهذا صحيح على ما قدمنا من أصول أصحابنا في هذا الباب مستمرًا عليها" (٣).

• المثال الثاني:

قال القاضي أبو يعلى في مسألة (تعلق الأمر بالمعدوم): "الأمر يتعلق بالمعدوم، وأوامر الشرع قد تناولت جميع المعدومين إلى قيام الساعة ....


(١) العام المراد به الخصوص: أن يطلق اللفظ العام ويراد به بعض ما يتناوله، فلم يرد عمومه لا من جهة تناول اللفظ ولا من جهة الحكم؛ بل كلي استعمل في جزئي. يُنظر: البحر المحيط (٣/ ٢٤٩ - ٢٥١)؛ تشنيف المسامع (٢/ ٧٢١)؛ شرح الكوكب المنير (٣/ ١٦٦ - ١٦٧)؛ إرشاد الفحول (١/ ٥٠٣ - ٥٠٥). ومثاله: قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: ١٧٣] والقائل واحد: نعيم بن مسعود. يُنظر: البحر المحيط (٣/ ٢٤٧)، وللاستزادة في الأمثلة يُنظر: الإتقان في علوم القرآن (٤/ ١٤١٦ - ١٤١٧).
(٢) ليس هذا على الإطلاق، فالقياس قد يكون قطعيًا؛ كالقياس الجلي في معنى الأصل.
(٣) الفصول في الأصول (١/ ٢٢١).

<<  <   >  >>