ولا يجعل أب الأب أباً" وهذا مبالغة في التخطئة- هذا شيء نقل عنهم، ولم ينقل عنهم خلافه. ولا يجوز تأويله وحمله على المجاز بغير دليل.
فإن قيل: لم قلم بأن المراد من هذه الأخبار الخطأ في الحكم المجتهد فيه؟ بيانه من وجوه:
أحدها- أن المراد منه أنه أخطأ نصاً لو ظفر به أوجب عليه حكمه، لكنهم إنما أخطأوا وقصروا في النظر، ولم يبالغوا فيه، ولم يستوفوا شرائط الاجتهاد، فلذلك أخطأوا فيها.
[أو معناه: أخطأوا حكماً لو حكم به كان ثوابه أكثر].
والثاني- إن أخطأوا مع تمام الاجتهاد، فهذا يدل على أن الحق في هذه المسائل واحد- وبه نقول.
قلنا:
أما الأول- قلنا: المفهوم من قولنا: "أخطأ فلان" عند الإطلاق العدول عما طلبه وكلف به. والمطلوب والمكلف به إصابة الحكم، فيحمل عليه قوله إنه أخطأ نصاً فيه. قلنا: هذا باطل، لأن المجتهد: إن كان استقصي طلب النص، فلم يظفر به، فهو مصيب عندكم، لأنه لا يلزمه أن يحكم بما لم يبلغه من النصوص، ولا سبيل إلى الوصول إليه. وإن لم يستقص النظر كان مخطئاً في الحكم والاجتهاد جميعاً. والصحابة رضي الله عنهم اجتهدوا ولم يمنع واحد منهم صاحبه من الاجتهاد في هذه المسائل.