كمن لا يحنث لا تلزمه الكفارة، ومن لا يكتسب المال لا يجب عليه الزكاة. أو ربما يجتهد فيتعارض عنده الأمارات، ولا يغلب على الظن شيء، فلا يثبت حكم الحادثة، فيؤدى إلى ما ذكرناه.
فإن قيل: ما أنكرتم أن لله تعالى في الحوادث حكماً متروكاً، كما قاله البعض. قلنا- معنى حكم الله تعالى ما يجب إتباعه أولى من غيره. وغير المستدل لا يتأتى منه ذلك، فلا يكون حكماً.
والدلالة على بطلان القسم الثاني:
أنه مؤدى إلى اجتماع أمور متنافية- بيانه: هو أن أحد المجتهدين قد اجتهد في حادثة، وغلب على ظنه ثبوت الحل، وغيره اجتهد وغلب على ظنه ثبوت الحرمة، أو أفضى اجتهاد واحد إلى الحل في حالة وإلى الحرمة في حالة أخرى. فيجتمع الحل والحرمة في فعل واحد، من شخص واحد، في حالة واحدة. وهذا ليس كذلك، لأن أحد المجتهدين إذا غلب على ظنه الحل، صار الحكم في حقه الحل دون غيره. وإذا غلب على ظن مجتهد آخر الحل، في زمان، صار الحكم في حقه الحل في ذلك الزمان دون غيره. وإذا غلب على ظنه الحرمة، صار الحكم في حقه الحرمة دون غيره. وإذا غلب على ظن مجتهد آخر الحرمة في زمان آخر، صار الحكم في حقه الحرمة، في ذلك الزمان، دون غيره. ويجوز أن تكون مصلحة هذا المجتهد في ثبوت الحل، ومصلحة المجتهد الآخر في ثبوت الحرمة، ومصلحة المجتهد الآخر الحل في زمان والحرمة في زمان آخر- فالمصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، والأحكام الشرعية تتبع المصالح.
هذا هو تقرير قاعدة الخصوم. وهذا إشكال هذا الوجه- قلنا: هذا إنما يستقيم أن لو صح كون الاجتهاد مفضياً إلى الحل في حق المجتهد دون غيره. وذلك غير صحيح، لأن الاجتهاد إنما يفضى إلى الحكم، بقوة الأمارة وغلبة الظن