ولم يقع السؤال عن أفضل الأعمال في أنواعها كما ورد في حديث السائل:
«أي العمل أفضل؟ » فقد نبَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هنالك بما ليس في عداده إيقاعُ الصلاة عقب كل طهور. على أن أفضل الأعمال في أنواعها يُتلقَّى بيانه من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالرسول يكون مسئولاً عنه لا سائلاً.
ولأجل هذا لم يتوقف بلال في الجواب ولا قال:«الله ورسولُه أعلم» كما هو شأنهم في الأمور الخفيَّة عنهم؛ لأن بلالاً كان على بصيرة من أمره فيما توخَّاه من العمل فلم يتردد أن قال:«ما عَمِلتُ عملاً أَرْجَى عندي» إلخ.
وفي الحديث تعليم للمؤمنين كيف ينبغي لهم أن يتطلبوا مرضاة الله بوجوه كثيرة من الأعمال، والإخلاص فيها، وصدق النية، والافتكار في أسباب النجدة ورفع الدرجات.
* * *
[باب صلاة النوافل جماعة]
وقع فيه قول عتبان بن مالك [٢: ٧٥، ٢]:
(فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: إني أنكرت بصري وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكاناً أتخذه مصلى).
فوقع تردُّد الشراح في وجه انتصاب قوله:«مكانًا»، وقد قيدتُ عن الأستاذ أبي حاجب رحمه الله حين قراءتنا هذا المكان عليه في سنة (١٣١٨ هـ) أنه انتصب على تضمين فعل «تصلَّي» معنى «تُبارِك أو تشرِّف»، وقرينة هذا التضمين هو سياق الكلام.
أقول: لأنه قصد تعيين مكان من منزلة ليتخذه محل صلاة لا يشغله بغيرها فإرادته أن يصلي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول مرة متعينة لقصد تبريكه وتقديسه.
ومعلوم أن التضمين يجعل الفعل بمنزلة فعلين يفيد معنى أحدهما بلفظه ومعنى الآخر بالتعدية إلى ما شأنه أن يتعدى إليه الفعل الممضَّمن.