ورُبّما رُدّت على صاحبها، فما كان عمل أبيكن المخلد في هذا القبر، الذي عاينتُ من أمره ما أحزنني، واطّلعت من حاله على ما آلمني؟
فلما سمعن كلامي كشفن وجوههن، وقُلن: أيها العبد الصالح، وما الذي رأيت؟ قلتُ لهُن: لي ثلاثةُ أيام أختلفُ إلى هذا القبر، أسمعُ صوت المقمعة، والسلسلة فيه قال: فلمّا حمعن ذلك مني قُلن لي: يا لها من بشارة ما أضرّها، ومصيبة ما أحزنها، نحن نقضي الأوطار، ونُعمرّ الديار، وأبونا يُحرّق بالنّار، فوالله لا أقر بنا قرار، ولا ختمنا للذة العيش دار، أو نتضرع للجبار فلعله يعتق أبانا ويُنقذه من النار، ثُمّ مضين يَعثُرْن في أذيالهنّ. قال: فمضيت إلى داري فبت ليلتي فلما أصبحت أتيت القبر. فجلست عنده، فغلبني النوم، فإذا أنا بصاحب القبر؛ له حُسن وجمال، وفي رجليه نعلٌ من ذهب، ومعه حور وغلمان، قال الحارث: فسلمتُ عليه وقلتُ له: رحمك الله من أنت؟ فقال: أنا الرجل الذي عاينت من أمره ما أحزنك، واطلعت منه على ما أفجعك فجزاك الله خيرًا، فما أيمن طلعتك عليّ، فقلت له: وكيف حالك؟ فقال لي: لمّا اطّلعتَ عليّ، وأخبرتَ بناتي بالأمس بحالي أعرين أبدانهن، وأسبلن شعورهنّ، وتضرّعن لمولاهنّ، ومرغن خدودهنّ في التراب، وأهملن دموعهنّ بالانسكاب واستوهبنني من العزيز الوهاب، فغفر لي الذنوب والأوزار، واستنقذني من النار، واسكنني دار القرار، جوار محمد المختار فإذا رأيت بناتي فأعلمهنّ بأمري، وما كان من قصّتي ليزول عنهن روعهنّ، ويفارقْن حزنهنّ، وتُعلمهُنّ أني قد صرت إلى جنات وحور، ومسك وكافور، وعندي