للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فلما استيقظت وقد توله عقلي مما رأيتُ وسمعت، فمشيت إلى داري وبتُ ليلتي، فلما أصبحت أتيت القبر؛ لعلّي أجد أحدًا من زوّار القبور، فأعلمه بما رأيت، فلم أرَ أحدًا ثم نمت، فإذا أنا بصاحب القبر قد قُرن شيطان وهو يقول: ما أغفل أهل الدنيا عني، ضُوعف عليّ العذاب، وتقطعت عني الحيل والأسباب، وغضب عليَّ رَبُّ الأرباب، وغُلق في وجهي كلُّ باب، فالويل لي، إن لم يرحمْني ربي العزيز الوهاب.

قال: فاستيقظت من منامي مرعوبًا، وهممت بالانصراف، فإذا بثلاث جوارٍ قد أقبلْن، فتباعدْتُ لهنّ عن القبر، وتواريتُ لكي أسمع كلامهن فتقدّمّتِ، الصُغرى، ووقفت على القبر، وقالت: السلام عليك يا أبتاه، كيف هدوءك في مضجعك؟ وكيفَ قرارك في موضعك؟ ذهبت عنا بودك، وانقطع عنا سؤالك، فما أشد حسرتنا عليك! ثم بكت بكاء شديدًا، ثم تقدّمت الابنتان فسلّمنَ على القبر، ثم قالتا: هذا قبر أبينا الشفيق علينا، الرحيم بنا، آنسك الله بملائكة رحمته، وصرف عنك ملائكة عذابه ونقمته، يا أبتاهُ جَرَت بعدك أمور؛ لو عاينتها لأوهنتك، ولو اطّلعت (١)] عليها لأحزنتك، كشف الرجال وجوهَنا، وقد كنتَ أنت تسترها.

قال: فبكيتُ لمّا سمعتُ كلامهنّ، ثم قمت مسرعًا إليهن، فسلمت عليهن وقلتُ لهن: أيتّها الجواري إن الأعمال بما قُبلت،


(١) هنا انتهى سقط (ب).