ولم يشغل بميت باله، ولم يبك إلا لنفسه لا لَه وما أحسن قول القائل:
أمن جدث أبصرته فشجاني ... وأرسل في شجو الهموم عناني
سفكت عليه أدمعًا فسقيته ... كما هو من كأس الهموم سقاني
وقفت به حيرانَ وقفة هائم ... أعالج قلبًا دائم الخفقان
وما بي من في القبر لكن رأيته ... على حالةٍ فيها وسوف تراني
وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: أتيْتُ القبورَ مرةً فقلت فيها:
أتَيتُ القبورَ فناديتها ... أين المعظَّمُ والمحتَقَرْ
وأين المُدَله سلطانُه ... وأين العزيز إذا ما افتخر
قال: فنوديتُ من بينهم، أسمعُ صوتًا، ولا أرى شخصًا وهو يقول:
تفانوا جَميعًا فلا مُخبر ... وماتُوا جَميعًا ومات الخبر
تروحُ وتغدو بناتُ الثَرى ... وتمحو محاسنَ تلك الصُور
وصاروا إلى ملك قاهرٍ ... عزيز مطاع إذا ما أمر
فيا سائلي عن أناس مضَوا ... أمالكَ فيما ترى مُعتَبر
قال مالك: فرجعتُ وأنا أبكي.
وأنشد بعضهم وأحسن:
قِف بالقبور بأكبادٍ مصدعة ... ودمعة من سويد القلب تنبعث
وسل بها عن رجال طالما ما رشفوا ... ثغر النّعيم وما في ظلّه مكثوا
ماذا لقَوا في خباياها وما قَدِموا ... عليه فيها ومَا من أجله ارتبثوا