للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأمر الجزم إلى الحجارة والرجم، فتغتسل فيها بصديدك وتأنس فيها بحشراتك ودودك، إلى أن تبلغك الرجفة لهلاك هذا المعمور، ثم الصيحة ليوم النشور، وبَعْثرة القبور، فتخرج بالأمر الكُبّار، إلى دارك دار القرار، إما إلى الجنَّة وإما إلى النار.

وأنشد بعضهم في ذلك:

من كان مسكنه قصرًا يشيده ... فإن مسكنه من بعد ذا جَدثُ

ومن تكن فرشه فيها مُرَقّشة ... ففرشه في ضريح بعدها الرثث

ومن غدا وسط نادٍ شعره رجلا ... فإن آخره التمزيق والشعَثُ (١)

قال الإشبيلي (٢): مرّ داود الطّائي بامرأة تبكي على قبر وهي تقول:

عدمتُ الحياة فلا نُلتها ... إذا أنت في القبر قد وسّدوكا

وكيف ألذُّ بطعم الكَرى ... وها أنت في القبر قد أفردوكا

ثم قالت: يا أبتاه، بأيّ خديك بدأ الدود أوّلًا؟ [قال] فخرّ داود مغشيًّا عليه.

واعلم: وفقني الله وإياك أنه من أقام خيال حالةِ كونه في تلك الحفرة الفظيعة، والرؤية البشيعة، وتفكر في ما يؤول إليه حاله قفرت همته وآماله. وعلم أن بدنه سيطرح في حفرة تقطع أوصاله وتغير أحواله وتبين إلى [أين] (٣) يصير مآله وأنه يطلب بكل ما عملهُ أو قاله


(١) سقط بيت كما في العاقبة:
ومن تكون آنسوه خرّد العبا ... فآنسوه هناك الدود والعثث
(٢) "العاقبة" ص. ١٩٥ وما بين قوسين زيادة منه.
(٣) في النسخة (أ): "أن" والمثبت من (ب)، و (ط).