للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعت أبا بكر بن أحمد بن أبي الأصبغ قال: قدم علينا شيخ

غريب، فذكر أنه كان نصرانيًا سنين، وأنه تعبّد في صومعته، قال:

فبينا هُو ذات يوم جالس، إذ طائر كالنسر، أو كالكركي، فذكر شبيهًا

بالحكاية، مختصرًا. انتهى كلام الحافظ ابن رجب.

قُلْتُ: ومن هذه الأخبار ما هو كثير جدًا. ولا ينكر عذاب القبر (١) من خَالطت بشاشةُ الإيمان قلبه، إذ قد صحت به الأخبار، وتواترت الآثار، فيالها من حفرة بعد أن كان مسكنه القصور العُلى، ووحده في ظلمة، بعد أن كان يضاجع غيدة كالطلا، والشمع مَضوء به قصره مُستعظمًا في عَيشه المُبتلى.

قال الإشبيلي في "العاقبة" (٢): قال عمرُ بن عبد العزيز رضي الله عنه لبعض جلسائه يا فلان. لقد أرقت البارحة تفكرًا في القبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثلاث ليال في قبره؛ لاستوحشت منه، بعد طول الأنس به، ولرأيت بيتًا تجول فيه الهوام، ويجري فيه الصديد، ويخترقه الديدان، مع تغير الريح وتقطع الأكفان، وكان ذلك بعد حُسن الهيئة، وطيب الريح، ونقاء الثوب، ثم شهق شهقة خر مغشيًا عليه.

وفي بعض الخطب: يا ابن آدم لا يغرنك ارتفاع ذكرك، ونفاذ أمرك، وتشييد قصرك، مع ما جمعت فيه من الظُبا الشُرد، والأوانس النهد، والمتاع المزخرف المنجد، فإنك تخرجُ منه بالرغم،


(١) في هامش الأصل: قلت وكذا نعيمه. انتهى. كاتبه سعيد ...
(٢) "العاقبة" ص ١٩١.