للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى تمام بن محمد الرازي، في كتاب "الرهبان" له، حدثنا عصمة العباداني، قال: كُنتُ أجول في بعض الفلوات، إذ نظرتُ دِيرًا وفيه صومعة، وفيها را هب، فناديتُه: فأشرف عليَّ، فقلتُ من أين تأتيك الميرة؟ (١) قال: مسيرة شهر، قلتُ حدّثْني بأعجب ما رأيت في هذا الموضع، قال: بينا أنا ذات يوم أديرُ بصري في هذه البرية القفراء وأتفكر في عظمة الله، وقدرته إذ رأيت طائرًا أبيض، مثل النعّامة كبيرًا، قد وقع على تلك الصخرة، وأومأ بيده إلى صخرةٍ بيضاء، فتقايأ رأسًا، ثم رجلًا، ثم ساقًا، وإذا هو كلما تقايأ عُضوًا من تلك الأعضاء التأمتْ بعضُها إلى بعض، أسرع من البرق فإذا هو رجَلٌ جالس، فإذا هَمَّ بالنهوض، نقره الطائر نقرة قَطع أعظامه، ثم يرجع فيبتعله، فلم يزل على ذلك أيامًا فكثر تعجبي منه، وازددت يقينًا لعظمة الله تعالى، وعلِمتُ أن لهذه الأجساد حياةً بعد الموت، فالتفَتُّ إليه يومًا، فقلتُ: يا أيها الطائر سألتُكَ بحق الذي خلقك وبراك، إلَّا أمسكتَ عنه، حتى أسأله بقصّته، فأجابني الطائر بصوت عربي طلق: لربي الملك وله البقاء الذي يُفني كُلَّ شيء ويُبقي أنا ملك من ملائكة الله موكل بهذا الجسد لما اجترم.

فالتفتّ إليه، وقلتُ: يا هذا الرجل المسيئ إلى نفسه، ما قصتك؟ ومن أنت؟ قال: أنا عبد الرحمن بن مُلجم، قاتل علي رضي الله عنه، وإني لما قتلته، وصارت روحي بين يدي الله، ناولني


(١) الميرة: الطعام يمتاره الإنسان. والميرة: هي جلب الطعام: لسان العرب مادة: (مير).