وأما اللّوّامة التي أقسم بها سبحانه، فاختلف فيها فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حالة واحدة أخذوه من لفظة اللّوم وهو التردّد، فهي كثيرة التقلّب والتّلون وهي مِنْ أعظم آيات الله فإنَّها مخلوقة من مخلوقاته تتقلب وتتلون في السّاعة الواحدة، فضلًا عن اليوم والشّهر والعام، والعمر ألوانًا متلوّنة فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتلطف، وتكثف، وتحب وتبغض، وترضى وتغضب، إلى غير ذلك من الأوصاف وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللّوم، ثم اختلفوا فقالت فرقة: هي نفسُ المؤمن، وهذا من صفاتها المجرّدة.
قال الحسن البصري (١) رحمه الله: إنّ المؤمن لا تراه إلّا يلوم نفسه دائمًا، يقول ما أردتِ بهذا؟ لِمَ فعلتِ هذا؟ كان غيرَ هذا أولى، أو نحوًا منْ هذا الكلام.
وقال غيره: هي نفس المؤمن تُوقعه في الذنب، ثم تلوم عليه فهذا اللوم من الإيمان بخلاف الشّقي، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فوات الذنب، كأنّه من جهله بنفسه وربّه يرى أنّه إذا فاته الذنب فاته ما يوجب التأسف على فواته، والندم واللوّم لنفسه وهذا من سفهه وغفلته وقالت طائفة بل هذا اللوم لنوعين فإنّ كلّ أحدٍ يلوم نفسه بَرًّا كان أو فاجرًا، فالسّعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلّا على فوات حَظها وهواها، وقالت فرقةٌ هذا اللوم يوم القيامة فإن كلّ أحد يلوم نفسه إن كان مسيئًا فعلى إساءته وإن كان محسنًا فعلى تقصيره، وعدم زيادته.