فيه من روحه وإسجادُ ملائكته له وتعليمه أسماء كلّ شيء فنفخه فيه من روحه، يستلزم نافخًا ونفخًا ومنفوخًا منه، فالمنفوخ منه هو الروح المضافة إلى الله، فمنها سرت النفخة في طينة آدم، فأتته الروح من قبل رأسه (١). كما قال ابن عباس رضي الله عنهما فالله تعالى هو الذي نفخ في طينته، من تلك الروح هذا هو الذي دلّ عليه النّصُّ وأمّا كونُ النفخة بمباشرة منه سبحانه، كما خلقه بيده أو أنها حصلت بأمره، كما حصلت في مريم، فهذا يحتاج إلى دليل، والفرق بين خلق الله تعالى له بيده ونفخه فيه من روحه أن اليد غيرَ مخلوقة، والرّوحُ مخلوقة، والخلق فعل من أفعال الرّبّ وأمّا النفخ فهل هو فعل من أفعال الرّبّ القائمة به أو هو مفعول من مفعولاته القائمة بعبده المنفصلة عنه، هو مما يحتاج إلى دليل، وهذا بخلاف النفخ في فرج مريم، فإنه مفعول من مفعولاته وأضافه إليه لأنّه بإذنِه وأمرِه فنفْخهُ في آدم هل هو فعل له؟ أو مفعول؟ وعلى كلّ تقدير، فالرّوح التي نفخ فيها من آدم روح مخلوقة غير قديمة وهي مادّة روح آدم، فروحه أولى أن تكون حادثة، مخلوقة وهو المراد والله الموفّق.
فإن قلتَ: هل تقدّم خَلق الأرواح على الأجسام أم تأخر؟ قُلتُ: ذكر المحقّق أنّ في هذه المسألة قولين معروفين، حكاهما شيخ
(١) روى معنى ذلك ابن الجوزي في "التبصرة" ١/ ٢٥ من حديث أنس مرفوعًا: لما نُفخ في آدم الروح مَارَتْ فطارت فصارت في رأسه.