يقتضي المباشرة من الله تعالى، كما في قوله {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: الآية ٧٥] ولهذا قرن بينهما في الذكر في الحديث الصحيح، في قوله - صلى الله عليه وسلم - "فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته وعلّمك أسماء كل شيء"(١)، فذكروا لآدم أربع خصائص اختصّ بها عن غيره، ولو كانت الرّوح التي فيه إنّما هي من نفخة الملك، لم يكن له خصوصيةٌ بذلك، وكان بمنزلة المسيح، بل وسائر أولاده فإنّ الزوح حصلت فيهم من نفخة المَلَك. وقد قال تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}[الحِجر الآية ٢٩] فهو الذي سوّاه بيده وهو الذي نفخ فيه من روحه؟
فالجواب: ما ذكره المحقّق من أنّ هذا الموضع هو الذي أوجب لهذه الطّائفة أن قالتْ بقدم الرّوح وتوقّف فيه آخرون، ولم يفهموا مُراد القُرآن، فأمّا الرّوحُ المضافة إلى الرّبّ فهي روح مخلوقة، أضافها إلى نفسه إضافة تخصيص وتشريف، كما بيّنّاه وأمّا النفخ فقد قال تعالى في مريم:{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}[الأنبيَاء: الآية ٩١] وقد أخبر في موضع آخر أنه أرسل إليها الملك فنفخ في فرجها فكان النفخ مضافًا إلى الله، أمرًا وإذنًا وإلى الرسول مباشرة يبقى هاهنا سؤالان: أحدهما أن يقال إذا كان النفخُ حصل في مريم من الملك، وهو الذي ينفخ في سائر
(١) روي ذلك في حديث أبي هريرة الطويل: رواه البخاري (٣٣٤٠) و (٤٧١٢) ومسلم (١٩٤).