للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبده ورسوله، ولم يدل ذلك على أنه قديم غير مخلوق فقال تعالى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ (١) لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩)} [مريم: ١٧ - ١٩] فهذا الروحُ هو روح الله وهو عبده ورسولهُ.

ثم استدلّ على خلقها الإمام المحقق في كتابه (باثنتي) (٢) عشر وجهًا، وأطنب فراجعه.

ثم قال: وأمّا ما احتجت به هذه الطائفة، فإن الذي أتوا به من متشابه القرآن والعدول عن محله، وهذا شأن كل ضالّ مُبتدع فحكم القرآن من أوّله إلى آخره يدلُ على أن الله خالقُ الأرواح ومبتدعها، وأما قوله تعالى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسرَاء: الآية ٨٥] فمعَلوم قطعًا أنه ليس المراد هاهنا بالأمر الطلب الذي هو أحد الأنواع للكلام.

فيكونُ المرادُ أنّ الروح كلامه الذي يأمرُ به، وإنما المرادُ بالأمر هاهنا المأمورُ وهو عرف مستعمل "في عرف العرب، وفي القرآن منه كثير، كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النّحل: الآية ١] أي مأموره الذي قدره، وقضاؤه وقال له كن وكذلك قوله {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هُود: الآية ١٠١] أي: مأموره الذي أمرَ به من هلاكهم وكذلك قوله تعالى


(١) في ط "ليهب" وهي إحدى القراءة في الآية وهي قراءة ورش وأبو عمرو، انظر: "التبصرة في القراءة السبع" لمكي ص ٥٨٥.
(٢) في (ب)، و (ط): (باثني).