للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: كان يبعث الآحاد في الوقائع، وتبليغ الأحكام بعد تقررها، فيبلغ خلاف ما عندهم.

الجواب: ما تقدم أن تلك الأخبار محفوفة بالقرائن، فتكون قطعية.

قالوا: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذي ناب حرام" (١)، وهو خبر آحاد، وإذا جاز نسخ القرآن به، فالخبر المتواتر أجدر.

قلنا: لا نسخ هنا إذ التقدير لا أجد الآن، ولا ينافي وجود محرم في المستقبل، والحديث إنما حرم ابتداء ما كان حلالًا بالإباحة الأصلية، فلم يرفع حكمًا شرعيًا، ليكون نسخًا.

قوله: "والحق لم يقع إلا بالمتواتر" إشارة إلى أن الحق جواز نسخ المتواتر بالآحاد عقلًا، غايته: أنه لم يقع، وهذا ضعيف، ومخالف للجمهور لأنهم لم يجوزوه.

فإن قلت: ما الفرق بين التخصيص، والنسخ حيث جوزوا تخصيص القطعي بالمتواتر، ولم يجوزوا نسخه به؟

قلت: الفرق أن التخصيص بيان أن المخرج لم يكن داخلًا في مراد المتكلم، فهو في الحقيقة دفع، كما تقدم في بابه، والنسخ رفع، وإبطال لما كان ثابتًا، والوجدان حاكم بأن المبطل لا بد وأن يكون أقوى، أو مساويًا، بخلاف الدفع، فإنه يحصل بأدنى مانع.


(١) روى البخاري، ومسلم عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل كل ذي ناب من السباع".
راجع: صحيح البخاري: ٦/ ١٢٤، وصحيح مسلم: ٦/ ٥٩ - ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>