وعلى أن لا ينفرد أحدهما عن الآخر بعمل حتى يستشير ويكون معه فيه، فعملا كذلك إلى أن شق عليهما العمل فيها مجتمعين، فإنهما كانا بحيث لا يقدر أحدهما أن يشتغل بأدنى عمل حتى يحضر الآخر ويساعده، فلما شق عليهما ذلك جاءا عمر مرة ثانية.
(ثم جئتماني لأقضيَ بينكما بغير ذلك) القضاء (والله لا أقضي بينكما بغير ذلك) القضاء (حتى تقوم الساعة) فيه أن القاضي إذا قضى بحكم لا ينقضه إلا إذا خالف نصًا صريحًا أو قياسًا جليًّا (فإن عجزتما عنها فرداها إلى) يعني: لما جاءا إليه مرة ثانية يطلبان منه أن يقضي بغير ذلك القضاء، فإنهما طلبا أن يقسمها بينهما حتى يستقل كل واحد منهما بالنظر والعمل فيما يكون في يده، فأبى عمر من ذلك وخاف إن فعل ذلك أن يظن ظانٌّ أن ذلك قسمة ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، فيعتقد بطلان قوله:"لا نورث". كما تقدم.
(قال المصنف: إنما سألاه أن يكون يصيره) بتشديد التحتانية (بينهما نصفين) حتى يستقل كل منهما بالنظر فيما يكون في يده منها (لا أنهما جهلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث ما تركنا صدقة) فإن ذلك مما اشتهر بين الصحابة واتضح أمره، وحاشاهما أن يعدلا عما ورد النهي عنه؛ (فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب).
قال الطبري: لا يخلو طلبهما من أحد وجهين: إما أن يطلب كل واحد منهما أن ينفرد بالعمل كله، أو ينفرد بنصيبه (١) وفرا من الإشاعة لما يقع بين العمال من التنازع والاختلاف.