السراويل)، فننتهي إلى ما سمعنا قيل له: أتخالف النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لعن الله من يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، به أكرمنا الله، وبه استنقذنا" (١).
وأما النقطة السادسة: وهي: ما قاله العلماء في ذم رأي أبي حنيفة، والتحذير منه، وما يتعلق بذلك من أخباره-، فقد أطال الخطيب في هذه النقطة، فساق فيها مائة وسبعة وأربعين خبرًا، لا يحتج بها لضعف أسانيد أكثرها, ولمخالفة بعضها صريح القرآن، وما هو مجمع عليه في الدين، واستهلها بأخبار مسندة لعروة بن الزبير، تفيد أن الأمر في بني إسرائيل كان مستقيمًا، حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي، فهلكوا وأهلكوا. ومراده بسوق هذه الأخبار التعريض بأبي حنيفة، وأنه من سبايا الأمم، ولا أريد الآن البحث في نسب أبي حنيفة، وما يتعلق به، وإنما أذكر القول الفصل في ذلك، وهو قول ربنا سبحانه في كتابه العزيز، الذي أنزله حكمًا بيننا فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
ثم هذا الحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، -وكلهم من الموالي-، ومن يُنْكِر فضلهم على المسلمين، في العلم والفتوى والإرشاد والتدريس؟ ثم أعقبها بأخبار تفيد أن رأي أبي حنيفة دخل كل البلاد، إلا المدينة، وذلك لأن المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، وأن أبا حنيفة دجال من الدجاجلة.
وهذا نص الخبر:
قال الخطيب: "أخبرنا ابن الفضل، حدثنا علي بن إبراهيم بن شعيب المغازي، حدثنا محمّد بن إسماعيل البخاري، حدثنا صاحب لنا عن حمدويه، قال قلت لمحمد بن مسلمة: ما لِرَأي النعمان دخل البلدان كلها، إلا المدينة قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يدخلها الدجال ولا الطاعون)، وهو دجال من الدجاجلة".
وفي سند هذا الخبر: مجهول يسقط الاحتجاج به، وهو (صاحب لنا)، وإن كان نص الحديث قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه آخر.
على أن أبا حنيفة، دخل المدينة المنورة، وجالس الإِمام مالكًا وناقشه، فإن كان أبو حنيفة دجالًا، أفيدخل الدجال المدينة، ولا يدخل رأيه إليها؟ .
واعجبًا للتناقض المكشوف!
ثم ساق أخبارًا فيها أقوال لبعض الأئمة، في ذم أبي حنيفة ورأيه، منها: أن مالك بن أنس قال: "كانت فتنة أبي حنيفة، أكبر على هذه الأمة من فتنة إبليس في الوجهين جميعًا: في الإرجاء، وما وضع من نقض السنن".
وفي هذا الخبر: حبيب بن رزق، قال أبو داود عنه: "من أكذب الناس". وقال ابن عدي: "أحاديثه كلها موضوعة".
ومنها قول لعبد الرحمن بن مهدي: "ما أعلم فتنة بعد فتنة الدجال أعظم من رأي أبي حنيفة".
ومنها قول لشريك: "لأن يكون في كل حي من الأحياء خمار، خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة".
ومنها قول لسفيان الثوري: "حين نَعْيُ أبي حنيفة: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه. لقد كان ينقض عُرَى الإِسلام عروة عروة. ما ولد في
(١) الانتقاء: (ص ١٤٠ - ١٤١).