للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المسلمين؟

هذا، وقد نقل الأئمة الثقات عن أبي حنيفة، أنه كان يأخذ بحديث رسول الله، فإن لم يجد، فيأخذ بقول الصحابة أو بعضهم، ولا يخرج عن قولهم جميعًا.

فهذا ابن عبد البر ينقل في الانتقاء عن أبي حنيفة ما يلي:

قال ابن عبد البر: "قال أبو يعقوب: ونا محمد بن موسى المروزي، قال: نا محمّد بن عيسى البياض، قال: نا محمود بن خداش، قال: نا علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبا حمزة السكري يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث الصحيح الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذنا به ولم نَعْدُهُ، وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا، وإن جاء عن التابعين زاحمناهم، ولم نخرج عن أقوالهم" (١).

وقد ساق بمعنى الرواية عددًا من الأخبار المتقاربة الألفاظ، المختلفة الأسانيد (٢)، نعم، لقد كان أبو حنيفة متشددًا في قبول الأخبار، حذرًا من قبول الأخبار من أي راو، وهو معذور في هذا، وقد كثر الوضاعون في العراق، من أهل البدع والفرق السياسية والمجاهيل والمغفلين، فكان لا يقبل الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى يتثبت من صحة سنده ومعرفة أحوال رجاله، ومن هذا التشدد في قبول الأخبار، طعن فيه كثير من أهل الحديث، وشنعوا عليه، وفي هذا المعنى يقول ابن عبد البر في "الانتقاء":

"كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن علي أبي حنيفة، لرده كثيرًا من أخبار الآحاد العدول، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه من الأحاديث ومعاني القرآن فما شذ عن ذلك رده وسماه شاذًا، وكان مع ذلك أيضًا يقول: الطاعات من الصلاة وغيرها لا تسمى إيمانًا، وكل من قال من أهل السنة: الإيمان قول وعمل، ينكرون قوله ويبدعونه بذلك، وكان مع ذلك محسودًا عليه لفهمه وفطنته" (٣).

والأمر العجيب، أن ترى الإنكار الكثير على أبي حنيفة, لأنه رد بعض الأحاديث -لسبب من الأسباب التي تتعارض مع الأصول التي أصلها وبنى عليها اجتهاده- مع أن جميع أئمة المذاهب المتبوعة، وغيرهم من المجتهدين، ردوا بعض الأحاديث التي صحت عند غيرهم، بل ربما صحت عندهم، فقد قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم":

"أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة، وتجاوزوا الحد في ذلك، والسبب الموجب لذلك عندهم، إدخاله الرأي والقياس على الآثار واعتبارهما. وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صح الأثر بطل القياس والنظر". ثم يقول مدافعًا عنه وعن وجهة نظره.

"وكان رده لما رد من أخبار الآحاد، بتأويل محتمل، وكثير منه قد تقدمه إليه غيره، وتابعه عليه مثله، ممن قال بالرأي. وجُل ما يوجد له من ذلك، ما كان منه اتباعًا لأهل بلده، كإبراهيم


(١) الانتقاء: (ص ١٤٤).
(٢) الانتقاء: (ص ١٤٩).
(٣) انظر الانتقاء: ص (١٤٩).