للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأما الخبر الثالث: ففيه أمر لا يخطر بالبال أن يقوله مسلم، وهو أن أبا حنيفة قال: "لو أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدركته، لأخذ بكثير من قولي".

وهذا نص الخبر الذي ساقه الخطيب: "أخبرنا ابن رزق، أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا محبوب بن موسى، قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدركته، لأخذ بكثير من قولي".

وفي الخبر: إبراهيم بن سعيد الجوهري، الذي كان يتلقى وهو نائم، وفيه محبوب بن موسى هو أبو صالح الفراء، وقد قال عنه أبو داود: لا يلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب، وفيه يوسف بن أسباط، قال عنه أبو حاتم: لا يحتج به، وقال البخاري: كان قد دفن كتبه، فكان لا يجيء بحديثه كما ينبغي.

فيا سبحان الله! هل يصدق مسلم أن يأتي إمام من أئمة المسلمين، ليقول: إن الرسول لو أدركني لأخذ بكثير من أقوالي؟ ... وهل يأخذ الرسول الأحكام من غير الوحي، أم يدعي أبو حنيفة أن أقواله أحسن من الوحي؟ .. سبحانك ربنا، هذا بهتان عظيم.

وباقي روايات هذا الفصل، يتعلق بأن أبا حنيفة كان يرد الأحاديث، وبألفاظ شنيعة بشعة، منها أنه حين يقال له: إن هذه المسألة يروى فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، كان يقول: "دعنا من هذا". وأحيانًا يقول: "حك هذا بذنب خنزير"، أو "هذا خرافة"، أو "هذا هذيان"، أو "هذا سجع" إلى آخر ما هناك من الألفاظ الشنيعة، التي كان يرد بها حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على ذمة تلك الأخبار.

وفي بعض الأحيان، ربما كان يضرب الأمثلة المستهجنة، إذا ذكر أمامه حديث يخالف رأيه، كقوله في معرض رده لحديث: "إذا كان الماء قلتين لم ينجس": "من أصحابي من يبول قلتين". وكقوله لما سأله ابن المبارك عن رفع اليدين في الركوع: "يريد أن يطير فيرفع يديه"؟ فقال له ابن المبارك: إن كان طار في الأولى، فإنه يطير في الثانية، وغير ذلك مما يستهجن ويستقبح - إن صح عنه -رحمه الله.

ومدار أكثر هذه الروايات على أبي إسحاق الفزاري، الذي تقدم في البحث السابق، وهو صاحب الافتراءات في قصة اتهام أبي حنيفة بالخروج على السلطان.

وفي كل رواية كباقي الروايات، رجل أو أكثر ضعيف أو واهٍ، أو متهم بالكذب، ويضيق مثل بحثنا هذا عن سرد جميع ما قيل في رواة أسانيد تلك الروايات، لكثرتها. فمن أحب زيادة البيان، فليرجع إلى تعليقات اللجنة الأزهرية على تلك الأخبار، في تاريخ بغداد، وإلى كتب الجرح والتعديل وكتب "الضعفاء" ليرى الشيء الكثير.

ولا يعقل أن يتفوّه أبو حنيفة بمثل تلك الألفاظ في جانب أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعروف أن رد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يكون ببيان علته، أو ضعف رجاله أو نسخه، أما أن يرد: لا لعدم صحته، وبمثل تلك الألفاظ، فهذا كفر واضح، واستهزاء بالرسالة والرسول، وما جاء به عن الله تعالى، فهل يتصور أن يقول هذا إمام من أئمة