للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إشارة للحديث، ولكن الظاهر أن الفزاري جاءه بقصة أو حكاية، لرد فتواه، فقال هذه خرافة، أي قصتك أو حكايتك.

ثم إن الفزاري هذا، هو الذي كان يتنقل في الأقطار، ويفْهِم الناس والعلماء والأئمة، بأن ابا حنيفة كان يرى الخروج على الخلفاء، وأنه يرى القلاقل بين المسلمين، وأنْ يضرب بعضُهم رقاب بعض. فها هو يذهب إلى الشام، ويقص على الأوزاعي قصة أخيه، وفتوى أبي حنيفة له، ليدخل في نفسه أن أبا حنيفة يرى السيف في أمة محمّد، فقد قال الخطيب:

"أخبرنا ابن الفضل، أخبرنا ابن درستويه، حدثنا يعقوب، قال: حدثني صفوان بن صالح الدمشقي، حدثني عمر بن عبد الواحد السلمي، قال: سمعت إبراهيم بن محمد الفزاري يحدث الأوزاعي، قال: قتل أخي مع إبراهيم الفاطمي بالبصرة. فركبت لأنظر في تركته، فلقيت أبا حنيفة، فقال لي: من أين أقبلت وأين أردت؟ فأخبرته أني أقبلت من المصيصة، وأردت أخًا لي قتل مع إبراهيم. فقال: لو أنك قُتِلْتَ مع أخيك كان خيرًا لك من المكان الذي جئت منه، قلت: فما يمنعك أنت من ذاك؟ قال: لولا ودائع كانت عندي، وأشياء للناس ما أستأنيتُ في ذلك" (١).

وقد اقتنع الأوزاعي بعد ذلك، بأن أبا حنيفة كان يرى السيف في أمة محمَّد، وكان يحذر منه كثيرًا، ويوصي كل من يقدم عليه من العراق، أو من خراسان، بأن يبتعد عن أبي حنيفة, لأن كان يرى السيف في أمة محمّد -كما فهم عنه بدون أن يراه، أو يستطلع رأيه عن قرب.

وقد ساق الخطيب هنا بسنده إلى ابن المبارك، أنه قال: "كنت عند الأوزاعي، فذكرت أبا حنيفة فلما كان عند الودائع، قلت أوصني، قال: "قد أردت ذلك، ولو لم تسألني، سمعتك تُطْرِي رجلًا يرى السيف في الأمة. قال فقلت: ألا أخبرتني" (٢).

ولكن الأوزاعي، ما كان ليبقى على هذا الاعتقاد في أبي حنيفة, لأنه لا غرض له فيما كان يعتقد، وإنما هكذا كان يظن، فلما رأى الحقيقة خلاف ذلك، عرف أن الظن لا يغني من الحق شيئًا، فَغيَّر رأيه فيه، وعاد فأوصى ابن المبارك، بأن يلتزم أبا حنيفة ويستكثر منه.

فقد قال عبد الله بن المبارك: "قدمت الشام على الأوزاعي فرأيته ببيروت، فقال لي: يا خراساني. من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة، يكنى أبا حنيفة؟ فرجعت إلى بيتي، فأقبلت على كتب أبي حنيفة، فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئت يوم الثالثة، وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي فقال: أي شيء في الكتاب؟ فناولته، فنظر في مسألة منها ... فما زال قائمًا بعد ما أذن، حتى قرأ قدرًا من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم قام وصلى، ثم أخرج الكتاب، حتى أتى عليها. ثم قال لي: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق. فقال:


(١) التاريخ: (١٣/ ٣٩٨).
(٢) التاريخ: (١٣/ ٣٩٧).