للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فليرجع إلى الميزان للذهبي، وإلى تاريخ الخطيب نفسه.

وأما النقطة الرابعة: وهي ما نُسِبَ إليه من رأيه في الخروج على السلطان. فقد ساق فيها الخطيب تسعة أخبار، كلها واهية الإسناد، ومفادها أن أبا حنيفة يرى الخروج على السلطان، ويرى السيف في أمة محمَّد. وفي ضمن بعضها أنه جهمي مُرْجئ.

وأكثر متون هذه الأخبار، منسوبة إلى الأوزاعي، وابن المبارك، وسفيان الثوري، وأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الفزاري.

ومدار ترويج هذه القصص وتلبيسها وتلفيقها على أبي إسحاق الفزاري، الذي تقدم في النقطة الثانية، فروى هناك خبرين مفادهما، أن إيمان جبريل وأبي بكر الصديق، وإيمان إبليس واحد. وقد تقدم معنا أن أبا إسحاق الفزاري هذا، منكر الحديث، فلا يلتفت إلى أخباره ولا يعتمد عليها.

والفزاري هذا، كان يُطْلِقُ لسانه في أبي حنيفة كثيرًا، ويعاديه في جميع المجالس، ويتقرب إلى الخلفاء بدمه، ونسبته إلى القول بالخروج على الخلفاء العباسيين. وسبب ذلك -على ما قيل- أن أبا حنيفة كان أفتى أخاه الفزاري، بمؤازرة إبراهيم بن عبد الله الطالبي، الذي خرج بالبصرة على أبي جعفر المنصور، فقُتِل أخوه في الحرب مع إبراهيم، فطار صوابه حزنًا على مقتل أخيه، واعتبر أبا حنيفة هو السبب في قتله، فأطلق لسانه بجهل عظيم على شيخه أبي حنيفة، كما هو مذكور في مقدمة "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (١). وإذا تأملنا في متون هذه الأخبار، وجدنا أنه يؤكد ما قلت. لقد قال لأبي حنيفة عندما سأله عن فتيا أخيه بالخروج، وأجابه أبو حنيفة بنعم، قال له: "لا جزاك الله خيرًا". وهذا نص تلك الأخبار، أسوقه لينجلي للقارئ الأمر:

قال الخطيب: "وقال الأبار: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثني يزيد بن يوسف، قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري، جاءني نُعْيُ أخي من العراق -وخرج مع إبراهيم بن عبد الله الطالبي- فقدمت الكوفة، فأخبروني أنه قتل، وأنه قد استشار سفيان الثوري وأبا حنيفة، فأتيت سفيان أنبئه مصيبتي بأخي، وأخبرت أنه استفتاك. قال: نعم، قد جاءني فاستفتاني، فقلت: ماذا أفتيته؟ قال: قلت: لا آمرك بالخروج ولا أنهاك، قال: فأتيت أبا حنيفة فقلت له: بلغني أن أخي أتاك فاستفتاك؟ قال: قد أتاني واستفتاني، قال: قلت فَبمَ أفتيته؟ قال: أفتيته بالخروج. قال: فأقبلت عليه فقلت: لا جزاك الله خيرًا. قال هذا رأيي، قال فحدثته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرد لهذا، فقال: هذه خرافة -يعني حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -" (٢).

فمن هذه القصة، ندرك سبب كلامه وبغضه لأبي حنيفة. ومعروف أن قول الشخص في الذي بينه وبينه بغضاء لا يقبل، فقدله: فحدثته بحديث الخ ... غير مقبول منه، ثم لمَ لمْ يذكر الحديث النبوي الذي حدثه به، وتركه هكذا مبهمًا؟ ثم إن أبا حنيفة، لو كان يعني حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "هذه خرافة"، لقال هذا خرافة بالتذكير،


(١) مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
(٢) التاريخ: (١٣/ ٣٩٧ - ٣٩٨).