للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ضعيف لا يحتج به.

وأسوق خبرًا من الأخبار التي ساقها الخطيب، وفيها تكذيب لمعنى الأخبار السابقة. قال الخطيب رقم: (٢٣): "أخبرنا الخلال، أخبرنا الحريري، أن علي بن محمّد النخعي حدثهم، قال: حدثنا محمّد بن الحسن بن مكرم، حدثنا بشر بن الوليد قال: سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة: صنفان من شر الناس بخراسان، الجهمية والمشبهة، وربما قال: والمقاتلية".

وقال في الخبر رقم: (٢٤): "وقال النخعي: حدثنا محمّد بن علي بن عفان، حدثنا يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، عن أبيه، سمعت أبا حنيفة يقول: جهم بن صفوان كافر". ثم يعقب الخطيب على هذين الخبرين بقوله: "وليس عندنا شك في أن أبا حنيفة، يخالف المعتزلة في الوعيد، لأنه مرجئ، وفي خلق الأفعال، لأنه كان يثبت القدر" (١).

فهذه الروايات، ترد بصراحة نسبة أن أبا حنيفة كان جهميًا. ومعلوم أن أبرز مذهب الجهمية، يتلخص في القول بخلق القرآن، وإنكار صفات رب العالمين.

ثم لو تركنا تلك الروايات المتناقضة كلها، ورجعنا إلى كتاب "الفقه الأكبر" لأبي حنيفة، وعقيدة الطحاوي، التي شرح فيها مذهب أبي حنيفة وصاحبيه في أصول الدين، لوجدنا أن أبا حنيفة ينكر على جهم بن صفوان، وغيره من أهل الأهواء وأصحاب المقالات الزائفة، أشد الإنكار والعجيب من أصحاب تلك الروايات، أن ينسبوا رواية هذه المقالة إلى أبي يوسف، الذي كان من أجل تلاميذ الإمام، وأبرّهم به حيًّا وميتًا، كما هو المعروف.

ولنرجع إلى سند الروايات فأقول: أن في سند الخبر رقم: (٢٠)، الهيثم بن خلف الدوري. وقد روى الإسماعيلي عنه في صحيحه إصراره على خطا أخطأ به.

كما أن في السند أيضًا محمّد بن سعيد بن مسلم الباهلي. قال عنه ابن حجر في "تعجيل المنفعة".

منكر الحديث مضطربه. وقد تركه أبو حاتم، ووهّاه أبو زرعة، فقال عنه: ليس بشيء.

وأما الخبر رقم: (٢١)، ففي سنده "زنبور" وهو محمّد بن يعلى السلمي. وقد قال البخاري عنه: ذاهب الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك، وقال أحمد بن سنان: كان جهميًا. ومن المقرر لدى علماء المصطلح، أن رواية المبتاع لا تقبل فيما يؤيد به بدعته، وروايته هذه في تأييد مذهب جهم بن صفوان فلا تقبل: لأن نص الرواية هو " ... سمعت زنبورًا يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: قَدِمَتْ علينا امرأة جهم بن صفوان، فأَدَّبتْ نساءنا" وذكره الخطيب نفسه في تاريخه رقم (١٥٧٨)، بمثل هذا (٢) فلا معنى لقول الخطيب - بعد هذا - أن هذه الروايات هي المحفوظة عند نقله الحديث، فأي محفوظة هذه؟ .

وأما الخبر رقم: (٢٢)، ففي سنده ابن دوما


(١) تاريخ بغداد: (١٣/ ٣٨٢).
(٢) تاريخ بغداد: (٣/ ٤٤٧)، والمقصود بقولي: "بمثل هذا"، أي أنه روى قول البخاري فيه أنه "ذاهب الحديث".