للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعامتهم» (١) فإن حصل اختلاف بين الراعي والرعية وجب عليهما الرجوع إلى الكتاب والسنة عملاً بقوله تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (٢) حيث إن سلطة التشريع الإسلامي لها قوة فوق قوة الحاكم والمحكوم، فلو كان ولاة الأمر، وحكام البلاد تجب طاعتهم طاعة مطلقة، أو كانوا معصومين من الخطأ كما يدعي غلاة الشيعة لما كان لقوله: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) معنى بل كان يقول فردوه إلى الحاكم أو إلى الإمام، ومن ذلك يتبين ضعف هذا القول وصحة قول الجمهور من أنه لا طاعة في المعصية (٣). لأن ذلك هو الموافق للأدلة، فقد روى مسلم من حديث أم الحصين: «ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا» (٤) فجعل القيادة بكتاب الله سببًا للسمع والطاعة (٥).

وقد وضع النووي في شرحه لصحيح مسلم عنوانًا «باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية» (٦) فدل بذلك على أن هذا هو ما يراه صوابًا. وفي الحديث: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (٧).

وقد اختلف العلماء في درجة الانحراف التي تسقط بها بيعة الحاكم وتنحل ولايته ويجوز عندها الخروج عليه على قولين:

القول الأول: قول من يقول بوجوب الصبر على الإمام أو الحاكم وإن أخذ المال وضرب الظهر وأظهر المعاصي، ما دام يقيم الصلاة عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم (٨): «ما أقاموا فيكم الصلاة»، واستدلوا أيضًا بقوله


(١) رواه مسلم. انظر جامع العلوم والحكم/ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي ص٧٢ - ٧٣.
(٢) سورة النساء آية (٥٩).
(٣) انظر تفسير القرطبي ج٥ ص٢٦٠ - ٢٦١.
(٤) رواه مسلم. انظر صحيح مسلم ج٣ ص١٤٦٨ (باب الإمارة).
(٥) انظر في ظلال القرآن سيد قطب ج٥ ص٤١٧.
(٦) رواه مسلم. انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج١٢ ص٢٢٢.
(٧) انظر مشكاة المصابيح ج٢ ص١٠٩٢ ح٣٦٩٦.
(٨) انظر ص٤٦٨ من هذه الرسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>