للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأوَّل: باطل؛ لأنه تعطيل للواقعة عن حكم، وربما لم يكن الحكم قابلًا للتأخير.

والثاني: أيضًا باطل؛ لأنَّ غاية التوقف إما مجهولةٌ أو معلومة، والأوَّل: ممتنع، لأنه يوقع الجهالة في أحكام الشرع، وليس شأنها ذلك، والثاني باطل أيضًا، لأن ظهور المرجح ليس إلى المجتهد، فلا يصح أن تكون غاية التوقف معلومة، وإذا انتفى التوقف إلى غاية وإلى غير غاية تعيَّن التخيير، وهو: أن يعمل بأيِّ الدليلين شاء.

وأيضًا: فإن الشرع قد ورد بالتخيير فينبغي أن لا يكون ممتنعًا ها هنا. أَما ورود الشرع به ففي صور:

منها: المزكِّي إذا كان عنده مئتان من الإبل، فإنه يُخيَّر بين أن يُخرج عنها أربع حِقاق، أو خمس بنات لبون (١)، ومنها: خصال الكفارة، فإنه يُخيَّر بين العتق والإطعام والكسوة (٢).

وقد يجاب عن الأول: بأن التوقف إنما هو لِيتبيَّن له المرجِّح ولا يلزم منه جواز التخيير، وعن الباقي بأن التخيير في الصورة المذكورة قام دليله شرعًا بخلاف التخيير في محل النزاع


(١) لأنه قد وجد مقتضى إخراج الحِقائق وبنات اللبون، ففي كل أربعين من الإبل بنت لبون، وفي كل خمسة حِقّةٌ. كما وود في الصحيح من حديث أنس الطويل: إن أبا بكر كتب فرائض الصدقة الحديث. انظر: فتح الباري لابن حجر (٣/ ٦١٩).
(٢) قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩].