وكان إذا جاء الرطب تسلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون، ويحملون، وكان إذا دخله ردد هذه الآية:{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}[الكهف: ٣٩]، حتى يخرج، وكان يقرأ ربع القرآن كل يوم، نظرًا في المصحف، يقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، ثم عاود الليلة القليلة، ووقعت الأكلة في رجله فقطعت وهو صائم، ولم يمسكه أحد، ولم يتضرر وجهه، ودخل أكبر ولده اصطبله فرفسه، أي: دق عنقه دابة فقتلته، فما سمع من شيء حتى قدم المدينة، فقال: اللهم إنه كان لي أربع أطراف فأخذت واحدًا، وأبقيت لي ثلاثة، فلك الحمد، وكان لي بنون أربع فأخذت واحدًا، وأبقيت ثلاثة، فلك الحمد، دائم الله، لئن أخذت فقد أبقيت، ولئن ابتليت لطال ما عافيت، وقال له الأطباء: نعطيك شيئًا لئلا تحس، قال: لا شأنكم، فنشروها بالمنشار، فما حرك عضوًا عن عضو، وصبر.
فلما رأى القدم بأيديهم: دعا بها فقبلها، ثم قال: أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط، وقال: معصية، أو قال: سوء، وكان برد الصوم، ومات يوم مات وهو صائم.
ورأى رجلًا يصلي فخفف، فقال: أما كان لك إلى الله حاجة، إني لأسأل الله تعالى في صلاتي حتى أسأله الملح.
وقال: إذا جعل أحدكم لله تعالى شيئا فلا يجعل ما يستحي أن يجعل الكريم؛ فإن الله تعالى أكرم الأكرمين، وأحق من اختير له، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي من الحنبلية في (طبقاته)(١).
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت؛ فُرِضَتْ الصلاة على بناء المجهول، أي: فرض الله الصلاة، أي: جنس الصلاة حين فرضها، وهي الصلوات الخمس والمراد بها الرباعية، ركعتين؛ في السفر والحَضَر، أي: في صدر الإِسلام، كررها لإِفادة عموم التثنية لكل صلاة.
قال أبو السعادات ابن الأثير في (شرح المسند): إن قصر الصلاة في السنة الرابعة من الهجرة، وهو مأخوذ من قول غيره: إن نزول آية الخوف كان فيها.