للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشافعي وأحمد بن حنبل … ولم يكن في الأئمة والمشايخ المتقدمين من يقول: إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين لا مطلقًا ولا معينًا. ولا فيهم من قال: إن دعاء الإنسان عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من دعائه في غير تلك البقعة (١).

وقال : وأما إجابة الدعاء، فقد يكون سببه: اضطرار الداعي وصدقه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمرًا قضاه الله لا لأجل دعائه، وقد يكون له أسباب أخرى، وإن كانت فتنة في حق الداعي، فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون، وينصرون ويعانون، ويرزقون مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها. وقد قال الله تعالى: ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا *﴾ [الإسراء]، وقال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا *﴾ [الجن]، وأسباب المقدورات فيها أمور يطول تعدادها، ليس هذا موضع تفصيلها، وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة (٢).

وكذلك أبطل الإمام ابن قيم الجوزية دعوى إجابة الدعاء عند القبر وحصول المطلوب، بقوله: حكايات حُكِيَتْ لهم عن تلك القبور: أن فلانًا استغاث بالقبر الفلاني في شِدة، فخلص منها، وفلان دعاه أو دعا به في حاجة، فقُضِيَتْ له، وفلان نزل به ضُرٌّ فاسترجى صاحبَ ذلك القبر، فكُشِفَ ضرُّه.

وعند السّدنة والمقابرية من ذلك شيء كثير يطول ذكره، وهم من أكذب خلق الله على الأحياء والأموات، والنفوسُ مُولَعةٌ بقضاء حوائجها، وإزالة ضروراتها، وتسمع بأن قبر فلان تِريْاق مُجرّب، والشيطان له تلطُّفٌ في الدعوة.

فيدعوهم أولاً إلى الدعاء عنده، فيدعو العبدُ عنده بحُرْقَةٍ وانكسار وذِلّة، فيجيب الله دعوته لما قام بقلبه لا لأجل القبر، فإنه لو دعاه كذلك في الحانة والخمارة والحمام والسوق أجابه!

فيظن الجاهل أن للقبر تأثيرًا في إجابة تلك الدعوة، والله سبحانه يجيب


(١) مجموع الفتاوى (٢٧/ ١١٥).
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (٢/ ١٦٩ - ١٦٨).

<<  <   >  >>