للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثالث: أنه إذا قضيت حاجة مسلم وكان قد دعا دعوة عند قبره فمن أين له أن لذلك القبر تأثيرًا في تلك الحاجة؟ وهذا بمنزلة ما ينذرونه عند القبور أو غيرها من النذور: إذا قضيت حاجاتهم …

وأن النذر ليس سببًا في دفع ما علق به من جلب منفعة أو دفع مضرة مع أن النذر جزاء تلك الحاجة ويعلق بها ومع كثرة من تقضى حوائجهم التي علقوا بها النذور؛ كانت القبور أبعد عن أن تكون سببًا في ذلك. ثم تلك الحاجة: إما أن تكون قد قضيت بغير دعائه، وإما أن تكون قضيت بدعائه.

فإن كان الأول: فلا كلام وإن كان الثاني: فيكون قد اجتهد في الدعاء اجتهادًا لو اجتهده في غير تلك البقعة أو عند الصليب لقضيت حاجته؛ فالسبب هو اجتهاده في الدعاء؛ لا خصوص القبر.

الوجه الرابع: أنه إذا قدر أن للقبور نوع تأثير في ذلك سواء كان بها كما يذكره المتفلسفة ومن سلك سبيلهم في ذلك بأن الروح المفارقة: تتصل بروح الداعي فيقوى بذلك … في زيارة القبور أو كان بسبب آخر. فيقال: ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعًا؛ بل ولا مباحًا وإنما يكون مشروعًا إذا غلبت مصلحته على مفسدته. أما إذا غلبت مفسدته فإنه لا يكون مشروعًا؛ بل محظورًا وإن حصل به بعض الفائدة.

ومن هذا الباب تحريم السحر مع ما له من التأثير وقضاء بعض الحاجات وما يدخل في ذلك من عبادة الكواكب ودعائها واستحضار الجن.

وكذلك الكهانة والاستقسام بالأزلام؛ وأنواع الأمور المحرمة في الشريعة مع تضمنها أحيانًا نوع كشف أو نوع تأثير. وفي هذا تنبيه على جملة الأسباب التي تقضى بها حوائجهم (١).

وقال أيضًا : إن قول القائل: إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين قول ليس له أصل في كتاب الله ولا سُنَّة رسوله، ولا قاله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في الدين؛ كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة


(١) مجموع الفتاوى (٢٧/ ١٧٣ - ١٧٧).

<<  <   >  >>