للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يُتصَوَّر ممَّن يرَى الاستحسانَ، أنْ لا يستحسن أي أمر من الأمور إلا بدليل، فضلاً عن استحسان البدع والمحدثات التي لا دليل عليها.

ويطول حصر كلام العلماء في إنكار تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، ولا يتسع المقام لذكره؛ لأجل ذلك سأكتفي بإيراد ثلاث نقولات عن أهل العلم:

أ قال إمامُ دارِ الهجرة مالكُ بن أنسٍ (ت: ١٧٩ هـ): أن من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً﴾ [المائدة: ٣]، فما لم يكن يومئذ دينًا؛ فلا يكون اليوم دينًا (١).

ب قال أبو عبيد القاسم بن سلام (ت: ٢٢٤ هـ): البدع والأهواء كلها نوع واحد في الضلال (٢).

ج قال الحافظ ابن رجب (ت: ٧٩٥ هـ): فقوله : «كل بدعة ضلالة»: من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» (٣)؛ فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه؛ فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة (٤).

٣ أن الاحتجاج بقول أمير المؤمنين عمر وما فعله من جمع الناس على إمام واحد في قيام رمضان هو سُنَّة مندوب إليها لأمرين (٥):

أ أن النبي قد صلى بالناس ثلاث ليال في رمضان، ثم قطع ذلك خشية أن يفرض على أمته، وما فعله النبي فهو سُنَّة وليس ببدعة.

ب أن النبي قال: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،


(١) يُنظر: الاعتصام، للشاطبي (١/ ٤٩٤).
(٢) كما أشار إلى ذلك ابن بطال في شرح صحيح البخاري (٨/ ٥٨٨).
(٣) سبق تخريجه راجع فضلاً (٤٨).
(٤) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٢/ ١٢٨).
(٥) يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٩٣ - ٩٤)، الرد القوي، لحمود التويجري (٤٩).

<<  <   >  >>