للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالعقل عند أهل السُّنَّة له مكانته اللائقة به، وهم في ذلك وسط بين طرفين (١):

الطرف الأول: من جعل العقل أصلاً كليًّا أوليًّا، يستغني بنفسه عن الشرع.

الطرف الثاني: من أعرض عن العقل، وذمه وعابه، وخالف صريحه، وقدح في الدلائل العقلية مطلقًا.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مبينًا وموضحًا مكانة العقل عند أهل السُّنَّة: … العقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل؛ لكنه ليس مستقلًّا بذلك؛ بل هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين؛ فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار.

وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها وإن عُزل بالكلية: كانت الأقوال والأفعال مع عدمه، أمورًا حيوانية قد يكون فيها محبةٌ ووجدٌ وذوقٌ كما قد يحصل للبهيمة، فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة والأقوال المخالفة للعقل باطلة … لكن المسرفون فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم، اعتقدوها حقًّا وهي باطل، وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدَّقوا بأشياء باطلة ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم (٢)

٢ أن الله خلق العقول، وأعطاها قوة الفكر، وجعل لها حدًا تقف عنده من حيث إنها مفكرة، لا من حيث إنها مُشرّعة، فإذا استعملت العقول أفكارها فيما هو في طورها وحدّها ووفت النظر حقه، أصابت بإذن الله، وإذا سلطت الأفكار على ما هو خارج عن طورها ووراء حدها الذي حده الله


(١) يُنظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠).
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٣/ ٣٣٨ - ٣٣٩).

<<  <   >  >>