للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا : فأبقى الله ﷿ السفينة … عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرًا، وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادًا (١).

وعلّق المحدّث شمس الدين الكِرماني (ت: ٧٨٦ هـ) على ما جاء عن قتادة : أبقى الله: أي نشأ من أجزائها إلى زمان بعثة رسول الله وهذا هو تفسير لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً﴾ (٢).

ورُوي عن ابن جريج (ت: ١٤٩ هـ) أنه قال: كانت السفينة تذكرة للأمم، وكم من سفينة قد هلكت وأثرها قد ذهب، إلا سفينة نوح أدركها بعض من أمة محمد فرأوا ألواحها على الجوديّ (٣).

وقال ابن عاشور (ت: ١٣٩٣ هـ) في تفسيره للآية المذكورة آنفًا: أي: أبقينا سفينة نوح محفوظة من البلى؛ لتكون آية يشهدها الأمم الذين أرسلت إليهم الرسل، متى أراد واحد من الناس رؤيتها ممن هو بجوار مكانها، تأييدًا للرسل وتخويفًا بأول عذاب عذبت به الأمم، أمة كذبت رسولها فكانت حجة دائمة مثل ديار ثمود.

ثم أخذت تتناقص حتى بقي منها أخشاب شهدها صدر الأمة الإسلامية فلم تضمحل حتى رآها جماعة من الأمم بعد نوح فتواتر خبرها بالمشاهدة تأييدًا لتواتر خبر الطوفان وقد ذكر القرآن أنها استقرت على جبل الجودي فمنه نزل نوح ومن معه وبقيت السفينة هنالك لا ينالها أحد (٤).

وقد قال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ *ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ *إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ *﴾ [الشعراء].

وقال ﷿: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ *﴾ [العنكبوت].


(١) يُنظر: إلى ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٦/ ٢٠٣٧/ ح ١٠٩١٦)، وجامع البيان (١٢/ ٤٢٣). تفسير عبد الرزاق (٣/ ٢٦٠)، تغليق التعليق، لابن حجر (٤/ ٣٢٨).
(٢) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (١٨/ ١١٩).
(٣) يُنظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي (١٤/ ٦٦٦ - ٦٦٧).
(٤) التحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٧/ ١٨٦).

<<  <   >  >>