للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وصار الناصر كلما سمع بحسن سيرته يزيد فِي تعظيمه، وطالت مدته لذلك بحي إنه لَمْ يل المنصب قبله من المالكية مثله فِي ذَلِكَ، فإنها كَانَتْ اثنتين وثلاثين سنة وأشهراً.

وحصل لَهُ فِي أيام الناصِر رَمد أشرف منه عَلَى العمى، فأمر الناصر نوابه أن يباشروا الحكم عنه ويحضروا المواكب. وَلَمْ يعزله إِلَى أن قدرت عافيته وعاد إِلَى أحسن مَا كَانَ عَلَيْهِ.

وكان كثير الحط عَلَى الشيخ تقي الدين ابن تيمية وأتباعه، وهو الَّذِي عزّز الشهاب ابن مِرَى، وكان عَلَى طريقة الشيخ تقي الدين ويتكلم عَلَى الناس بلسان الوعظ لما قدم مصر. ونفقت لَهُ سوق واستقر فِي جامع أمير حسين يعمل المواعيد، إِلَى أن جرت مسألة التوسل فتكلم فِيهَا بكلام شيخه فأنكروا عَلَيْهِ. وبلغ ذَلِكَ القاضي فطلبه وعزّزه وطوف بِهِ وبالَغ فِي إهانته وتألم لَهُ كثير من الناس. فلم تَمضِ إِلاَّ أيام قليلة حَتَّى وقع من ابن شَأس نظير مَا وقع من ابن مِرى، فرفع أمره إِلَى القاضي وشهد عَلَيْهِ جمع كثير من الأعيان والعدول، والتمس من القاضي تعزيزه فدافع عم ذَلِكَ، وأظهر التعصب لَهُ، ونال بعض الشهود منه أذى فِي الباطن، وكثرت الشناعة بسبب ذَلِكَ حَتَّى قيل فِيهِ - وقيل إنها من نظم الشيخ برهان الدين الرشيدي:

يَا مالكياً شادَ أحكامه ... عَلَى تقي الله بأقوى أساس

مقالة فِي ابن مِرَى لُفِّقَتْ ... تجاوزت فِي الحدِّ حدّ القِياس

وَفِي ابن شاس قط مَا أثرت ... فهل أباح الشَّرع كُفر ابن شَأس

وشاعت الأبيات حَتَّى بلغت القاضي فعظم عَلَيْهِ لكنه سكت عَلَى مَضَض، واعتذر عنه بعض أتباعه بأنه رأى أن الذي وقع من ابن شَأس فلتة لسان فأقال عثرته منها. بخلاف ابن مرى فإن ذَلِكَ كَانَ معتقده، وَلَمْ يزل الإِخْنَائِيّ يباشر القضاء إِلَى أن حصل لَهُ رمد فِي صفر سنة خمسين وسبعمائة فاشتد بن فأرسل يستعفي من الحكم فأعفي ومات عقب ذَلِكَ.

محمد بن جوهر بن ذَكَا النابلسي يكنى أبا الفرج إسماعيلي من المائة الخامسة.

<<  <   >  >>