بكلى الحيا عليك والبرق غدت ... مشقوقة من الأسى أطماره
ومزقت ريح الصبا جيوبها ... والجو من دموعه أمطاره
وانشق قلب الأرض يوم دفنه ... وانصدعت من حزنه أعشاره
أعزز على أن أراك ثاوياً ... ببطن لحد نصبت أحجاره
لو كنت تفدى لفداك ناظري ... بكل ما يروقه ادخاره
أو كان يعني المدمع عنك لارتوى ... من كل مذروب الظبا غراره
أما وقد فارقت دار محنة ... وزمناً لم تصفه أكداره
وصرت جار الله والجار له ... رعاية أوجبها جواره
فلا عدا قبرك صوب رحمة ... وجاده من الرضى مدراره
هبة الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن جرير لأيو محمد نفيس الدين الحارثي الشافعي قاضي الزبداني. كان صدراً، رئيساً، عالماً، فاضلاً، كثير الكرم، واسع الصدر، دمث الأخلاق، له وجاهة عند الخاص والعام، وحرمة وافرة عند أرباب الدول، وكان يختار الزبداني لكونها وطنه، وله بها ملك يعود نفعه إليه. ولما توفى القاضي صدر الدين عبد الرحيم قاضي بعلبك رحمه الله عرضت عليه بعلبك ويترك الزبداني فأبى وامتنع، وبالجملة فكان من حسنات الزمان مع وفور الديانة والتقوى، وتوفى ليلة الخميس تاسع صفر بدمشق فجاءة، ودفن يوم الخميس بسفح قاسيون، وقد نيف على سبعين سنة رحمه الله تعالى. حكى عنه ما معناه أنه احتاج إلى ثمان مائة درهم في أوائل فصل الشتاء، وكان له بالزبداني بستان، عادته أن