للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى المنع؛ يكفي انحرافه عن الجهة، نقله أبو داود (١)، ومعناه في الخلاف، وظاهر كلام المجد وحفيده: لا يكفي (٢).

(وَفِي اسْتِدْبَارِهَا فِيهِ)؛ أي: في الفضاء (وَاسْتِقْبَالِهَا فِي الْبُنْيَانِ رِوَايَتَانِ)، وجملته أنَّ الرِّواية عن أحمد قد اختلفت:

ففي رواية: أنَّه يجوز الاستدبار في الفضاء والبنيان؛ لحديث ابن عمر قال: «رقِيت على بيت حفصة، فرأيت النَّبيَّ على حاجته، مستقبِل الشَّام، مستدبِر الكعبة» متَّفق عليه (٣)، والظَّاهر أنَّه كان في الفضاء.

وفي ثانية: بالمنع فيهما، قدَّمه في «الرِّعاية»، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا قال: «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها» رواه مسلم (٤).

وفي ثالثة: جوازهما في البنيان فقط، صحَّحه في «الشرح»، وذكر ابن هبيرة أنَّه الأشهر عنه، وقدَّمه في «المحرر»، واختاره الأكثر؛ لما روى الحسن بن ذكوان، عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته، ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن! أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: «إنَّما نُهي عن هذا في الفضاء، إذا (٥) كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا» رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم، وقال: على (٦) شرط البخاري، والحسن ضعَّفه ابن معين، وقال أحمد: أحاديثه أباطيل، وقوَّاه جماعة، وروى له البخاري (٧).


(١) ينظر: مسائل أبي داود ص ٥.
(٢) ينظر: الاختيارات ص ١٥.
(٣) أخرجه البخاري (١٤٨)، ومسلم (٢٦٦).
(٤) أخرجه مسلم (٢٦٥).
(٥) في (و): أما إذا.
(٦) قوله: (على) سقط من (و).
(٧) أخرجه أبو داود (١١)، وابن خزيمة (٦٠)، وابن الجارود (٣٢)، والحاكم في المستدرك (٥٥١)، والدارقطني (١٦١)، والحازمي في الاعتبار (ص ٣٨)، قال الدارقطني: (هذا صحيح، كلهم ثقات)، وحسنه الحازمي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط البخاري)، وفيه نظر، فإن صفوان بن عيسى خرَّج له مسلم ولم يخرج له البخاري، قال ابن حجر في الفتح ١١/ ٤٤١: (سنده لا بأس به)، وحسنه الألباني.
وأما الحسن بن ذكوان فقد خرَّج له البخاري حديثًا واحدًا في المتابعات كما ذكر الحافظ في الفتح، واختلف فيه الحفاظ، فتكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما، وقبل حديثه ابن عدي وابن حبان وغيرهما، وأورده الذهبي في الميزان، وقال عنه: (صالح الحديث)، وفي التقريب: (صدوق يخطئ، ورُمي بالقدر، وكان يدلس).
ويشكل على الأثر أيضًا عنعنة ابن ذكوان، فإنه كان يدلس حتى عن الكذابين كما قال أحمد في رواية الأثرم عنه. ينظر: ميزان الاعتدال ١/ ٤٩٠.